– تنبّأ الكاتب البريطانيّ ألدوس هاكسلي في روايته عن المستقبل ” أفضل العوالم ” ، أنّ التزوير سيكونُ العنصر الحاسم للحداثة . في الواقع المزيّف ، مع حقيقته الباطلة – أو مع غياب الحقيقة – لم تعد لأيّ شيء أهميّة في النهاية ، لا توجد حقيقة ، لا يوجد أيّ وجهة نظر .
في الواقع ، صارت الحقيقة في هذه الأثناء مفهومًا شخصيّا بحيث لم يعد في الإمكان إيجاد مقياس صحيح عامّ . يبدو أنّ تمييز الأصيل من المزيّف قد أبطِل . كلّ شيء قابل للتفاوض إلى حدّ ما . هل هذه النسبيّة التي تُحذّر منها بإلحاح ؟
أجابَ البابا : من الواضح اليوم أنّ مفهوم الحقيقة موضع شكّ . وقد تمّ استغلاله كثيرًا ، هذا صحيح . فباسم الحقيقة ، برّر بعضهم التعصّب والضراوة . عندما يقولُ شخص ما : هذه هي الحقيقة ، أو حتى : أملُك الحقيقة ؛ فإنّ هذين القولين يُخيفانِنا . لا نملك أبدًا الحقيقة ، وفي أفضل الأحوال هي تملكنا . لا أحد يعترض على أنه ضروريّ التحلّي بالحكمة والحذر في المطالبة بامتلاك الحقيقة . ولكن أن نُلغيها ببساطة باعتبارها بعيدة المنال ، فهذا له نتائج مدمّرة كلّ التدمير .
في الواقع ، يُصرّ اليوم الكثير من الفلاسفة على القول بإنّ الإنسان غير قادر على معرفة الحقيقة . وإذا كان الأمر كذلك ، فلن يكون قادرًا أيضا على معرفة القيَم الأخلاقيّة . ولن يكون لدينا أيّ مقاييس . ولا يعودُ علينا إلاّ أن نفطنَ لكيفيّة تدبير أمورنا ، ولا يبقى في أحسن الأحوال إلاّ رأي الأكثريّة كمقياس يؤخذ به . ومع ذلك ، برهنَ التاريخ بكفاية إلى أيّ مدًى يمكنُ أن تكون الأكثريّات هدّامة في أنظمة كالنازيّة والماركسيّة ، كانت بشكل خاصّ معارضة للحقيقة .