عقدت قبل ظهر اليوم ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام حول ” لقاء تضامني مع مسيحيي الموصل عرض لحقيقة ما يحصل من تهجير للمسيحيين“، ترأس الندوة رئيس اساقفة بيروت واللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، وشارك فيها أمينا عام اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار: د. محمد السماك والأمير حارس شهاب، ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، وحضور أمين سرّ اللجنة البرفسور الأب يوسف مونس وفضيلة الشيخ زهير قوصان هو المسؤول الناظر في المعهد الشرعي الإسلامي التابع لمؤسسة العلامة محمد حسن فضل الله، إلى جانب كبير من المهتمين والإعلاميين.
رحب المطران بولس مطر بالحضور وقال:
“نرحب بكم جميعاً في هذه الندوة المهمّة والمخصّصة لموضوع المسيحيين المهجرين من الموصل وسهل نينوى في العراق وللمهجرين غير المسيحيين ايضاً هذا الموضوع كبير بالنسبة إلينا أنه يتعلق بمستقبل العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين لا في لبنان وحسب بل في العالم العربي والإسلامي كله، فهل ما نشهد هو مس بهذا العيش وإن كانت بعض الفئات المتطرفة تقوم بمثل هذه الأعمال التي لا يرضاها إنسان، فإننا نعوّل الكثير الكثير على الإخوة المسلمين جميعاً في العالم العربي والعالم الإسلامي ليقولوا كلمتهم الفصل في هذا الموضوع ويكون لهم موقف بالنسبة لمستقبل هذه الشراكة التي نعوّل عليها جميعاً.”
تابع: “ونقول ثانياً إن هؤلاء المسيحيين الذين هجروا بيوم ما من سهل نينوى بعد الموصل وبخاصة أهل قاراقوش وانقوش هؤلاء هم عراقيون منذ مئات السنين لا بل أقول منذ ألفي سنة نحن هناك في بلاد ما بين النهرين هي أرضهم وهو ترابهم وهم أسهموا في الحضارة الإسلامية والعربية هم نقلوا التراث الأسلامي المسيحي والعالمي إلى العربية هم كانوا مقبلوين ومحبيين لدى الخلافة العباسية بكل ظروفها وكانوا يعيشون بالرضى ايام الخلفاء الراشدين فلماذا تتغير الأمور وماذا يحدث في العراق؟”
وختم سيادته: “ثالثاً هؤلاء هم غير مسلحين، هم بعهده الدولة العراقية والشعب العراقي كله لأنه كلهم واحد، فكيف يجري ما يجري، لا يحملون سلاح، لذلك يجب أن لا يمسهم أحد بسوء، تقوم دولة جديدة لا نعرف كيف تقوم، لا نتذخل في هذه الأمور ولكن أية حضارة تحمل هذه الدولة، كيف تقوم وما هي مقوماتها؟”
ثم كانت مداخلة د. محمد السماك بعنوان العدوان على مسيحيي العراق فقال:
“ان ما حدث لمسيحيي العراق ليس مجرد مأساة . انه جريمة . فالمأساة قد تقع نتيجة عامل طبيعي : زلزال أو فيضان أو بركان ثائر أو تسونامي غادر .. وفي هذه الحال لا يوجد مدعى عليه ليساءل ويحاسب ويحاكم ويعاقب . بعكس الجريمة التي يرتكبها شخص أو جماعة . ان الجريمة التي تعرض لها مسيحيو العراق معروف من ارتكبها ، وكيف ارتكبها ولماذا . ولذلك يجب أن يحاسب وأن يعاقب خاصة وأنها جريمة ضد الانسانية بما تتضمنه من اعتداء على حرمة الحياة وعلى قدسية الدين وحرية الاعتقاد . ولكن من هو صاحب سلطة المحاسبة ؟ ومن يملك الحق في المعاقبة ؟”
تابع: “للإجابة على هذا السؤال لا بد من التوقف أمام الوجه الآخر للجريمة. ويتمثل هذا الوجه في أن الجريمة ارتكبت باسم الاسلام ، ولأن الاسلام منها براء، فانها تعتبر جريمة مزدوجة. هي جريمة بحق المسيحيين كمؤمنين وكمواطنين؛ وهي جريمة بحق الاسلام كدين يؤمن بالمسيحية رسالة من عند الله ويحترم حق المواطنة وكرامة الانسان .”
أضاف: “الآن وقد ارتكبت هذه الجريمة المزدوجة ، فان أهم ما يجب القيام به هو عدم مكافأة المجرم بالسكوت على الجريمة من جهة، أو بالاستسلام لشروطه وتلبية رغباته من خلال الهجرة من جهة ثانية .”
أردف: “صحيح ان العين الدامعة لا تقاوم المخرز المسموم .. وصحيح انه لا بد من مساعدة مسيحيي العراق على استعادة ما سلب منهم، ولكن المساعدة لا تكون – ويجب أن لا تكون- بتعويضهم على ما خسروه . فاستعادة الحق شيء والتعويض عن الحق شيء آخر. ان التعويض بتوطينهم في دولة أو في دول أخرى هو اجراء يحقق للداعشية هدفها . أما مساعدتهم فتكون بتأصيلهم وتجذيرهم في وطنهم وبكسر اليد التي آذتهم . ثم ان رفع الصوت عالياّ ضد الجريمة يبرئ الاسلام من تهمة رفض الآخر التي تحاول الداعشية الصاقها به افتراء وظلماً . من هنا فان للاسلام مصلحة اساسية وجوهرية في التصدي للتطرف المتمثل في الحركة الداعشية بسلوكها الارهابي وفي تثبيت أقدام المسيحية في عقر دارها من حيث أشرقت قبل الاسلام بعدة قرون .”
تابع: “اذا كان للمسيحية المشرقية، وإذا كان للاسلام المشرقي من مصلحة مشتركة، فإن مصلحتهما اليوم تقتضي الوقوف معاً في وجه عاصفة التكفير الداعشي التي تستهدفهما معاً.”
وختم بالقول: “وما لم يتوفر شعور، بل إيمان قوي بأن العدو مشترك، وان التصدي له مسؤولية مشتركة، فان عاصفة التكفير التي تستهدف اقتلاع والغاء الآخر المختلف في اطار الدين الواحد وبين الأديان والمذاهب ، قد تشتد وتقوى . ويكون ضحيتها الاسلام والمسيحية ، والعلاقات الاسلامية – الاسلامية و الاسلامية – المسيحية.”
ثم كانت مداخلة الأمير حارس شهاب بعنوان “لقد انتهى زمن المسايرة” وجاء فيها:
“إنَّ الشعور المُتنامي لدى المسيحيين في العراق خاصة و
في الشرق الأوسط عامة هو الشعور بالاضطهاد وهم ينظرون إلى مستقبلهم بقلق كبير بعدما أُجبر الملايين منهم على الهجرة من بلادهم وبلداتهم التي رفدوها بعطاءات خيّرة على مدى الأجيال.“
تابع “إنّ مستقبل المسيحيين في لبنان وفي الشرق عموماً كما مستقبل العيش الإسلامي المسيحي ليس قاتماً بالضرورة، ولكن لا بدّ من الإقرار أنّه واقفٌ على مفترق خطير، فإمّا أن نحمل معاً مشروعاً نَهضوياً عربياً يشمل المنطقة كلّها ويكون لبنان في طليعتها، وإما أن يفقد لبنان رسالته ويفقد الشرق هذه العلامة المميّزة، وهذه النكهة التي يخصّه المسيحيون بها. ولكنّ هذا القلق على مستقبلهم لم يدفعهم إلى طلب حماية أحد لا في داخل أوطانهم ولا خصوصاً خارجها.”
أضاف: “النار مُشتعلة وهي تتقدّم بسرعة لتأكل ما تبقى لدينا دونَ أن نمتلك مُبادرات جدّية تقينا شرّها، وهذه النار تُؤججها أحداث العراق التي طالت المسيحيين اللذين يواجهون محاولة إبادة جماعيّة ويتعرّضون الى جرائم بشعة يندى لها جبين الإنسانيّة استهدفت البشر والكنائس والمقدسات وهِجرتهم لتحاول أن تقضي على قيمةٍ شكّلت عِبر أجيال العامود الفقري لسلامة وتطوير المجتمعات العربية.”
تابع: “لابدّ من مبادرة عملية تُشكّل يقظة ضمير وتمنع الوقوع في الأفخاخ التي تُنصب لنا، وتُعزز ضرورةَ اطلاقها فوراً سُرعة التطورات الميدانيّة للأحداث.”
أضاف: “صدر بيان لبطاركة الكنائس الشرقية وقد هالَهُم ما يَجرِي في المنطقة من أحداث خطيرة لا سابق لها، ومن صراعاتٍ وحروبٍ بين الأخوة في العراق وسوريا، ومن تنامٍ للتطرّف الديني الذي يستهدف النسيج المجتمعي ووحدته في بلداننا، ومن بروز تنظيمات أصولية تكفيرية تهدم وتقتل وتهجّر وتنتهك حرمة الكنائس وتحرق تراثها والمخطوطات، ومن دخول العديد من المرتزقة إلى جانب المعتدين. كما لابدّ لي من الإشارة الى اعلان شديد اللهجة، صدر منذ يومين عن المجلس البابوي للحوار بين الاديان الذي يتولى رئاسته الكاردينال جان لوي توران، فَعدّد ” الاعمال الاجرامية التي لا توصف لجهاديي الدولة الاسلامية” منها: ” القيام بقطع الرؤوس والصلب وتعليق الجثث في الاماكن العامة وخطف النساء والفتيات وممارسة الختان وفرض الجزية واللجوء الى العنف الفظيع بهدف الترهيب “.
وأكدّ على أننا “نحتاج لِوَقفةٍ جريئة وموَحَّدة من المرجعيّات والقيادات الروحية الإسلامية في العالم بدءاً من عالمنا العربي، تُحدّد فيه بموقف صريح نظرة الإسلام للمسيحية وعلاقته بها. نحن نعلم أن لا باباوية ولا بطريركية في الأسلام ولكن لا شيء يمنع مراكز الإشعاع الكبرى، مثل الأزهر ومكة والنجف وقُم والزيتونة وغيرها من اصدار مواقف، وإن مُنفصلةً، مع تأكيدها على ضرورة توضيح نظرة الإسلام الإيجابية الى المسيحية وفقَ النصوص الدينية الصريحة والقاطعة التي عِشنا على هديها قروناً، فتسحب بذلك الغَطاء الديني من فوق الرؤوس التي تدّعي القيام بإجرامها باسم الإسلام والإسلامُ يشجبها ويدينها وهو منها براء.”
تابع “هذا المَطلب ليس جديداً وقد دأبنا في اللجنة الوطنية الإسلامية – المسيحية للحوار على المُطالبة به منذ سنين عديدة، وقد بدأنا اليوم نلمس تجاوباً جدّياً معه، وعسى ألا يكون قد فات الآوان.”
ختم بالقول: “لن نسمح بأن يُقتلع المسيحيون المشرقيون من أرض أجدادهم ليُصبحوا ضحايا مشروع تهجير شامل تمهيداً لتحويلهم الى لاجئين جدد ولتذويبهم في الخارج، وتغيير ديمغرافيا العالم العربي وتفتيته، وعلينا أنّ نعمل يداً بيد للحؤول دون تحقيق هذه المآرب الصهيونية. إنَّ هذه الكارثة إذا ما تمّت فصولاً لا سمح الله، لن تتحمّل ” داعش ” مسؤوليتها فقط، بل نتحمّلُها كُلنا كما المَرجعيّات التي فَشلت في نشر ثقافة الأُمة الوسط، والإسلام الحيقيقي سيكون هو أيضاً ضحيّة ما يحصُل. لقد انتهى زمن المسايرة.”
واختتمت الندوة بكلمة الخوري عبده أبو كسم متسائلاً:
“المسيحيون المشرقيون في خطر؟إلى اين مسيحيو العراق؟هل سيعودون يوماً إلى الموصل إلى أرضهم، وبيوتهم، وتراثهم، أم أنهم سيهاجرون إلى أراضي الله الواسعة.هل ما يحصل في العراق اليوم هو تنفيذ لمشروع ما سمي بالشرق الأوسط الجديد؟ ولماذا هذ الصمت العربي، والإسلامي والدولي؟ أين مبادىء الأمم المتحدة التي تكفل وتضمن حقوق الإنسان والحريات؟إنها لعبة الكبار ويدفع ثمنها الأقليات كما يحلو لهم أن يسمونهم. وما هو موقف الكنيسة من هذا الواقع الذي وصل إليه المسيحيون في العراق؟“
أجاب: “بالطبع الكنيسة كان لها مواقف شاجبة لِمَ حصل، وقداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس ناشد الأمم المتحدة، المرجع الدولي الرسمي لوضع حدّ للإعتداءات التي يتعرض لها المسيحيون، ودعاها إلى حمايتهم وبالطرق التي تراها مناسبة، وأرسل مبعوثاً خاصاً إلى العراق ودعا كل المسيحيين في العالم إلى التضامن مع إخوانهم العراقيين وتقديم المساعدة لهم.”
وتساءل ايضاً: “هل هذا يكفي لبلسمة الجراح ومعالجة هذه القضية الكبرى والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا بعد؟ ماذا عن مسيحي سوريا ولبنان وفلسطين ومصر؟ هل هم أيضاً في صميم مشروع الشرق الأوسط الجديد؟ ماذا يجب أن نفعل لمواجهة ما يحدث وما يتعرض له المسيحيون؟”
وأجاب: “المواجهة تكمن في وحدتنا، وفي شراكتنا مع إخوتنا المسلمين، ومحبتنا التي يجب أن تشمل كل الناس. نعم الوحدة والتضامن والشراكة والمحبّة كلها عناوين
تشكل سداّ منيعاً في مواجهة التعصب والإرهاب والقتل والتنكيل. والأمر الأهم فهو التمسّك بإيماننا، وعيش هذا الإيمان في كل أبعاده، نحن خلقنا في هذا الشرق لنكون رسل شهادة أوليس نحن أبناء القيامة؟ فإن متنا مع المسيح ومن أجل المسيح سنقوم معه، هذا هو مرتجى إيماننا.”
أضاف: “أما حيال ما يحصل في محيطنا من تهجير للمسيحيين، أتوجه إلى القادة المسيحيين، أو الزعماء المسيحيون كما يحلو لهم أن نسميهم لأقول واصلوا عملكم من أجل مصلحة شعبكم ومحازبيكم وليس من أجل أي شيء آخر. تحلقوا حول كنيستكم، أزيلوا التوتر عن نفوس الناس، توّحدوا فيتحد المسيحيون ويشعرون بالطمأنينة، وواصلوا تواصلكم مع شركائنا في الوطن إذ ذاك تتمتّن الوحدة اللبنانية، وننقذ وطننا وشعبنا من براثم الفتنة.”
وختم بالقول: “وإلى إخواننا العراقيين نقول متحدون معكم في الصلاة، وفي الوجع الذي تقاسونه، واقتراح بإن نخصًص يوماً للصلاة من أجل العراق ومسيحي العراق، لأننا نؤمن أن الصلاة هي الدواء الأنجع لمثل هذا النوع من الإضطهاد والتنكيل فإن الله سميع مجيب.”