النص الكامل لخطاب البابا فرنسيس لأساقفة آسيا في كوريا الجنوبية

“إخوتي الأساقفة الأعزاء،

Share this Entry

أنا أحييكم بحرارة وأخوّة في الرب بينما نجتمع اليوم في هذا المكان المقدّس حيث بذل العديد من المسيحيين حياتهم من أجل إخلاصهم للمسيح. إنّ شهادتهم للمحبة قد منحت البركات والنعم ليس لكنيسة كوريا فحسب بل إلى كل الكنائس أيضًا؛ لتساعدنا صلواتهم لكي نكون رعاة مخلصين للنفوس الموكلة إلى رعايتنا. أنا أشكر الكاردينال غراسياس على كلماته الترحيبية الطيبة وعلى عمل اتحاد مجالس الأساقفة الآسيويين في تعزيز التضامن والتواصل الرعوي الفعّال في كنائسكم المحلية.

في هذه القارة الشاسعة حيث هي موطن التنوّع الكبير للحضارات، إنّ الكنيسة مدعوّة لأن تكون مرنة وخلاّقة في شهادتها للإنجيل من خلال الحوار والانفتاح على الجميع. في الواقع، إنّ الحوار هو جزء أساسي لرسالة الكنيسة في آسيا. ولكن ماذا ينبغي أن تكون نقطة الانطلاق والنقطة المرجعية الأساسية اللتان ترشداننا إلى وجهتنا عندما نتخذ طريق الحوار بين الأفراد والثقافات؟ بالطبع إنها هويتنا الخاصة، هويتنا نحن كمسيحيين. لا يمكننا أن ننخرط في حوار حقيقي إلاّ إذا كنا نفهم هويتنا بحق. ولا يمكن أن يحصل حوار حقيقي إلاّ إذا كنا قادرين على فتح أذهاننا وقلوبنا بتقبّل صادق ومتعاطف تجاه من نكلّمهم. أن نفهم هويتنا وأن نقدر على التعاطف هما نقطة الانطلاق لكل حوار. إذا أردنا أن نتكلّم بحرية وانفتاح وبشكل مثمر مع الآخرين، علينا أن نكون واضحين عما نحن عليه، عما قام به الله معنا، وماذا يطلب منا. وإن كان حوارنا ليس مونولوجًا، عندئذٍ وجب أن يتواجد انفتاح القلب والعقل من أجل تقبّل الأفراد والثقافات.

إنّ مهمة تحديد وملاءمة هويتنا لا تُثبَت دائمًا بسهولة إذ بما أننا خطأة سوف نجرَّب دائمًا بروح العالم الذي يبيّن نفسه بطرق مختلفة. أودّ أن أشير إلى ثلاثة أنواع منه. واحد هو ضوء النسبية الخادع الذي يحجب روعة الحقيقة هازًا الأرض تحت قدميك، ساحبًا نفسك نحو الرمال المتحركة من الارتباك واليأس. إنها تجربة تصيب أيضًا الجماعات المسيحية في أيامنا هذه جاعلة الناس ينسون “أنه بالرغم من أنه يوجد أشياء تتغير في العالم إلاّ تلك التي أساسها المسيح فهي تبقى ذاتها في الأمس واليوم وإلى الأبد”. أنا لا أتحدث هنا عن النسبية المعروفة كطريقة تفكير إنما عن النسبية العملية اليومية التي تضعّف إحساسنا بالهوية.

إنّ الطريقة الثانية التي يهدّد فيها العالم صلابة هويتنا المسيحية هي السطحية، الميل إلى اللعب مع البدع والانحرافات الحديثة عوض تمييز الأفضل (راجع فيلبي 1: 10). يمكن أن يشكّل ذلك مشكلة رعوية خطيرة في ثقافة تمجّد الزوال وتقدّم العديد من سبل التجنّب والهروب. كما يمكنها أن توقع الكهنة في سحر من البرامج والنظريات الرعوية على حساب التواصل المباشر والمثمر مع مؤمنينا بالأخص الشباب الذين يحتاجون إلى التعليم المسيحي الصلب والإرشاد الروحي السليم. إن لم نبني أسسًا مع المسيح، ستندثر الحقائق تدريجيًا من حياتنا وتصبح ممارسة الفضائل شكلية ويتقلّص الحوار ليصبح شكل من أشكال التفاوض أو الاتفاق على عدم الاتفاق.

ثم أيضًا، توجد تجربة ثالثة: وهي الاختباء وراء الإجابات السهلة والصيغ والقواعد الجاهزة. إنّ الإيمان بطبيعته ليس للاستيعاب الذاتي بل عليه أن “يخرج”. إنه يبحث عن الفهم؛ إنه يثير الشهادة؛ يولّد الرسالة. في هذا المعنى، إنّ الإيمان يمكّننا من عدم الخوف والتواضع في شهادتنا للمحبة والرجاء. إنّ القديس بطرس يقول لنا بإنه علينا أن نكون دائمًا مستعدين لأن نردّ على من يطلب منا دليلاً ما نحن عليه من الرجاء (راجع رسالة بطرس الأولى 3: 15). إنّ هويتنا كمسيحيين تظهر في جهودنا الهادئة لتسبيح الله وحده، لأن نحبّ بعضنا بعضًا وأن نخدم بضنا بعضًا وأن نكون قدوة أمام الآخرين ليس بأننا نؤمن بل موقنين بأنه قادر على أن يحفظ وديعتنا (راجع رسالة القديس بولس الثانية إلى طيموتاوس 1: 12).

مرة أخرى، إنه إيماننا الحيّ بالمسيح الذي هو هويتنا العميقة؛ إنه من هنا يبدأ حوارنا، وهذا ما هو مطلوب منا أن نتشاركه بصدق ودون ادّعاء في حوار حياتنا اليومية، في حوار المحبة وفي الفرص الأكثر رسمية التي تعترضنا. لأنّ الحياة عندنا هي المسيح (فيلبي 1: 21)، دعونا نتحدّث “من خلاله وإليه” بجهوزية ومن دون تردد أو خوف. إنّ بساطة كلامه تصبح واضحة في بساطة حياتنا، في بساطة تواصلنا، في بساطة أعمالنا من أجل محبة خدمة إخوتنا وأخواتنا.

أودّ أن أتطرّق الآن على جانب آخر من هويتنا المسيحية. إنها مثمرة. لأن ولدت وتغذّت من نعمة حوارنا مع الرب وروحه الملقّن، إنها تحمل حصاد العدالة والخير والسلام. دعوني أسألكم إذًا عن الثمار التي تحملوها في حياتكم وفي حياة الجماعات التي أوكلتم إليها. هل الهوية المسيحية تتألق في كنائسكم من خلال برامج التعليم المسيحي للشباب وخدمة الفقراء وكل القابعين على هامش المجتمعات المزدهرة وفي جهودكم على تغذية الدعوات إلى الكهنوت والحياة المكرسة؟

أخيرًا، جنبًا إلى جنب فهم واضح للهوية المسيحية، الحوار الحقيقي يتطلّب أيضًا قدرة على التعاطف. نحن نواجه تحدي الإصغاء إلى ما لا يتحدّث عنه الآخرون عن اختباراتهم وليس إلى كلماتهم فحسب، بل إلى آمالهم وتطلعاتهم ونضالاتهم واهتماماتهم الكبيرة. إنّ هذا التعاطف عليه أن يكون ثمرة روحانيتكم وخبرتكم الشخصية اللتين تقوداننا إلى رؤية الآخرين كإخوة وأخوات وأن “نسمع” إلى ما تريد قلوبهم أن تحاور أبعد من كلماتهم وأعمالهم. في هذا المعنى، إنّ الحوار يتطلّب منا روحًا تأ
ملية حقيقية للانفتاح نحو الآخر واستقباله. إنّ هذه القدرة على التعاطف تسمح بحوار إنساني حقيقي حيث تنشأ الكلمات والأفكار والأسئلة من خبرة الأخوّة والإنسانية المشتركة. إنها تقود إلى لقاء حقيقي حيث يتحدّث القلب إلى القلب. نحن نتغنى بحكمة الآخر ونصبح قادرين على القيام معًا بمسيرة نحو التفاهم والصداقة والتضامن. وكما يقول القديس بولس الثاني، إنّ التزامنا بالحوار هو مرتكز على منطق التجسد” في يسوع، الله أصبح واحد منا، تشارك حياتنا وتحدث إلينا بلغتنا. بهذه الروح من الانفتاح على الآخرين، أنا أرجو بصدق أن لا تتردد هذه البلدان من قارتكم حيث لا يتمتّع الكرسي الرسولي معها بعد بعلاقة كاملة، من مواصلة الحوار من أجل مصلحة الجميع.

أعزائي إخوتي الأساقفة، أنا أشكركم على ترحيبكم الحار والأخوي لي. عندما ننظر إلى القارة الآسيوية الكبيرة، بأراضيها الشاسعة وثقافاتها وتقاليدها القديمة، ندرك بأنّ الجماعات المسيحية هي قطيع صغير مكلّف بحسب مخطط الله أن ينقل نور الإنجيل إلى أقاصي الأرض. لنسأل الراعي الصالح الذي يعرف خرافه ويحب كل واحد منهم أن يرشدنا ويقوّي جهودكم لكي تبنوا وحدتكم معه ومع كل أعضاء رعيته في العالم. أنا أوكلكم إلى شفاعة مريم، أم الكنيسة، وأمنح بركاتي كعربون نعم وسلام في الرب”.

***

نقلته إلى العربية ألين كنعان – وكالة زينيت العالمية.

Share this Entry

Francesco NULL

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير