1. يسوع المسيح، الذي “هو هو أمس واليوم والى الأبد”(عب 13: 8)، يتحيَّن الفرص ليلتقيَ كلَّ إنسان، في حالته الراهنة، لقاءً هاديًا ومعزِّيًا ومخلِّصًا. يلتقي الضائع، ليهديَه السبيل المستقيم؛ ويلتقي الحزين والمهمَّش واليائس، ليعزيَّه ويعطيَ معنىً لحياته ويزرع في قلبه الرجاء؛ ويلتقيَ الخاطئ والمظلوم والمُستعبَد والمريض، ليغيّرَ مجرى حياته بالتوبة والغفران وليحرّرَه بالعدالة والكرامة من الظلم والاستبداد والاستكبار، وليشفيَه من كلّ علّة في جسده وروحه ونفسه. ولهذا، عندما التقى العشّار الخاطئ المعروف في محيطه وسار به إلى التوبة والمصالحة، قال يسوع: “اليوم دخل الخلاص هذا البيت. فابن الانسان جاء ليبحث عن الضائع ويخلّصه“(لو19: 10). إنّنا نصلّي لكي يُسعَد كلُّ واحدٍ وواحدةٍ منّا بمثل هذا اللقاء مع المسيح، الذي يبدّل ويُفرّح، ويفتح آفاقًا جديدة في حياته.
2. يسعدنا أن نحتفل معًا في هذه الليتورجيّا الإلهية، فنُحيّيكم ونُرحّب بكم جميعًا، وبخاصّة برئيس رابطة كاريتاس- لبنان الأب بول كرم وبإقليم كاريتاس الجبة، وبرئيسته السيدة أورور صفير والمعاونين والمتطوّعين، الذين يلتزمون خدمة المحبّة الاجتماعية والإنمائية، في هذه المنطقة، وفقًا لبرامج رابطة كاريتاس – لبنان. وهم في المناسبة يجمعون التبرعات لمسيحيي الموصل وسهل نينوى في العراق. إنّنا نذكرهم اليوم بصلاتنا، ونذكر معهم جميع المحسنين من لبنان وخارجه، سائلين الله أن يُكافئهم على جهودهم وتضحياتهم، وأن يُضرم في القلوب المحبة وسخاء اليد تجاه أخوتنا الفقراء والمحتاجين والمرضى والمسنّين والمعوّقين والنازحين، الذين يُسمّيهم الربُّ يسوع “أخوته الصغار”(متى 25: 40)، وجعلهم طريقنا إلى الخلاص الأبدي.
ونحيي بيننا أسرة تلفزيون المحبةTV Charity بإدارة الأب جان بو خليفه، والمؤسسة تابعة لجمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة التي أنشأته تماشيًا مع موهبة الجمعية. فيهدف التلفزيون الى ثلاثة: نشر كلمة الله في عالم الشبيبة، الوقوف الى جانب المنسيّين والفقراء والمهمَّشين، تسليط الضوء على نشاط الكنيسة الرعوي والأبرشي. ندعو لهذه المؤسسة الإعلامية بدوام التقدّم والتطوّر من أجل رسالة أشمل.
ونرحّب برعية كفرصغاب وكاهن رعيتهاورئيس بلديتها ومخاتيرها وفعالياتهاالمدنية والكنسية وجوقتها التي تُحيي أناشيد هذا القداس الإلهي.
3. “ابن الإنسان جاء ليبحث عن الضائع ويخلّصه“(لو19: 10). جاء ابن الله من سمائه، وصار إنسانًا ليلتقيَ كلَّ إنسان ويقطع الطريق معه نحو الله. في إنجيل اليوم، خرج يسوع وأتى إلى أريحا، بحثًا عن كل إنسان يحتاج إلى نعمة الشفاء في النفس والجسد. وبالمقابل خرج زكّا العشّار، رئيسُ الجباة والغنيّ، من بيته ومكان عمله باحثًا عن يسوع، ليرى أقلّه مَن هو يسوع، وبسبب قصر قامته، “خرج من ذاته“، نسيَ عمره ووضعه الاجتماعي المرموق، وتسلّق جمّيزة ليرى يسوع. وهذا كان كافيًا لكي يدخل الربُّ معه في لقاء أدّى إلى توبته وخلاصه كما سمعنا.
كل واحد منّا بحاجة لأن يخرج من ذاته، من عالمه، من قصر نظره وتطلعاته وطموحاته التي تبقى “قصيرة” أمام مشروع الله غير المحدود لكل إنسان. ينبغي أن “يصعد” إلى أعلى بقليل من التصاقه بالأرض ومغرياتها ومصالحها.
4. دعا قداسة البابا فرنسيس الكنيسةَ، برعاتها وأبنائها ومؤسساتها، لتكون في حالة “خروج” دائم. ويسمّيه “خروجًا جديدًا إرساليًّا“، ويقول: “على كل مسيحي، وكل جماعة، أن تميّز الطريق الذي يطلبه الله. لكنّا جميعًا مدعوون لنلبّي هذه الدعوة: الخروج من رفاهنا الخاص، والتحلّي بالشجاعة للبلوغ إلى جميع المناطق المحتاجة إلى نور الإنجيل”(فرح الإنجيل، 20)، ولاسيما حيث ظلمة الفقر والحرب والحزن والإرهاب والعنف، وعلى وجه التحديد في بلداننا المشرقيّة التي تعاني من كلّ هذه الظلمات.
دور الكنيسة أن تعرّف بالمسيح، وأن تنقله إلى جميع الناس، حيثما هم وأيًّا كانوا: تنقله بكلامه وشخصه ومحبّته ورحمته. همّها أن يتمّ اللقاء الوجداني بين المسيح وكل إنسان. وهذا كافٍ لكي يتمَّ التبدّل الذي تحقّق في زكّا العشّار، وأدخله في صميم عمل الخلاص.
5. ولنقلها مع القديس البابا يوحنا بولس الثاني: لا يمكن للكنيسة أن تساوم على رسالتها، أو تخاف من انتقادات الناس وأصحاب المصالح الخاصّة، عندما يقتضي منها الواجبُ إعلانَ الحقيقة، والدفاعَ عن العدالة، والالتزامَ بصنع الخير لجميع الناس، من دون أي تمييز عرقي أو ديني أو ثقافي أو إنتمائي؛ وعندما ينبغي عليها العمل من أجل المصالحة بين المتخاصمين، والتنديد بالظلم، وبالمصالح الخاصّة، الفردية والفئويّة، التي تناقض الصالح العام. وعلى الكنيسة، برعاتها ومؤمنيها، أن تتميّز بالشجاعة في قول الحقّ والعدل، وأن تتسلّح بالجرأة وتعطي صوتًا لمن لا صوت لهم، وتعيد دومًا صرخة الإنجيل في الدفاع عن بؤساء هذا العالم، والمهدَّدين والمحتقرين والمستضعفين والمحرومين من حقوقهم الإنسانية. ولا يستطيع أحدٌ أن يوقفها عن ذلك”(راجع البابا يوحنا بولس الثاني، إنجيل الحياة، 5؛ فادي الإنسان، 13؛ شرعة العمل السياسي، ص 16).
٦. هذا ما نفعله نحن معكم يا ذوي الإرادات الحسنة، فنطالب الكتل السياسية ونوّاب الامة في لبنان بالكفِّ عن مخالفة ال
دستور في عدم انتخاب رئيسٍ للجمهورية، وعدم انعقاد المجلس النيابي في حالةٍ دائمة كهيئةٍ انتخابية، وعن المخاطرة في مصير لبنان وتفكيك أوصاله. فانتخاب الرئيس يعيد للمجلس النيابي حقَّه في التشريع، ويسهّل عمل الحكومة، التي لا يمكن أن تحلّ محلّ شخص الرئيس وأن تمارس جميع صلاحياته. وحده رئيس الجمهورية يحفظ كرامةَ الدولة ووحدتَها وانتظامَ الحياة في مؤسساتها. حرمان لبنان من رئيس منذ ثلاثة أشهر طعنة قاتلة في صميم الوطن.
٧. إننا نشكر الله على عمل الحكومة، وبخاصة على دعمها الكامل للجيش اللبناني الذي نهنّئه بانتصاره على تنظيم داعش ومعاونيه الإرهابيين في معركة عرسال؛ وعلى الخطّة الأمنية التي وضعتها، راجين لها النجاح الكامل؛ وعلى حلِّ مشكلة طلابنا المئة والثماني والأربعين الفًا الذين تقدّموا من الامتحانات الرسمية وحُرموا من تصحيحها، فاتحةً الطريق أمامهم لدخول الجامعات وتقرير مصير عامهم الدراسي المقبل. ونأمل أن تتفهّم هيئةُ التنسيق النقابية هذا الوضع وتدرك المسؤولية المشتركة، وأن يُصار الى حلّ قضية المعلمين بإقرار سلسلة الرتب والرواتب.
ونرجو من الله أن يمكّن الحكومة من تحرير العسكريين المحتجزين من الجيش وقوى الأمن الداخلي، ومن تأمين حقوق المواطنين الأساسية في الماء والغذاء والدواء والاستشفاء والتعليم والعمل؛ ومن إنقاذ الاقتصاد الذي يكفل عدم انهيار البلاد، ومن توفير فرص العمل لشبابنا الطالع، وتمكين العائلات من عيشٍ كريم ومكتفٍ لتأمين حاجات أولادها وأفرادها، وبخاصة لناحية التعليم والاستشفاء وتأسيس عائلات جديدة؛ ويمكّنَها من تحقيق الإنماء المتوازن في جميع المناطق اللبنانية، وتنفيذ مشروع اللامركزية الإدارية الموسّعة.
٨. ومعكم نجدّد النداء الى الدول المعنية، شرقًا وغربًا، للكفّ عن تمويل التنظيمات الإرهابية بالمال والسلاح، وعن إرسال المرتزقة للهدم والقتل والتهجير وسائر أنواع الاعتداء على المواطنين الأبرياء، في سوريا والعراق. ونطالب جامعة الدول العربية، ومنظمة الأمم المتحدة، ومجلسَ الأمن، والمحكمة الدولية الجنائية، بمكافحة التنظيمات الإرهابية، وحمايةِ الأقليات الدينية، وإعادةِ مسيحيي الموصل وبلدات سهل نينوى الى بيوتهم وممتلكاتهم، وحمايةِ جميع حقوقهم. ونخن باسمكم سنزور في اليومين المقبلين مع اصحاب الغبطة البطاركة، اخوتنا المسيحيين الذين طردوا من بيوتهم في الموصل وسهل نينوى حاملين باسمكم محبتنا لهم وتضامننا معهم. لنصلّي الى الله لكي يمسّ ضمائر الإرهابيين فيتوبوا إليه ويستعيدوا كرامتهم الإنسانية.
9. ومعكم نصلي إلى الله من أجل السلام في سوريا والعراق، وحلِّ النزاعات بالمفاوضات السلمية، بحيث يأتي السلامُ عادلاً وشاملاً ودائمًا، ويتمكّنُ النازحون من العودة الى أوطانهم وبيوتهم. كما نصلّي من أجل السلام في فلسطين وحلّ قضيتِها بإقامة دولة فلسطينية، عملاً بمبدأ الدولتَين، وتأمين عودةِ اللاجئين الفلسطينيين الى أراضيهم الأصلية، وانسحابِ الجيش الإسرائيلي من الأراضي المحتلّة في فلسطين ولبنان وسوريا.
فيا رب، أنت الذي جئت لتبحث عن الضائع والهالك لتخلّصه، خلّص شعوبنا وأوطاننا، لكي يتمجّد اسمُك في كلّ آن وزمان، أيها الآب والابن والروح القدس، آمين.