فقد جاء تلاميذُ يوحنا مُشتكين له بقولهم: انتبه يا معلّم، هذا الشخصُ الذي أشرتَ إليه أنتَ وعمَّدته، ها هو بدأ يُعمِّدُ، ويجذبُ كثيرا من الناسَ إليه. الذين استمعوا إليكَ يتركونكَ الآن، ويذهبون وراءَه. الناسُ لم تَعُدْ تتبعُنا. وهنا يقول يوحنا المعمدان: نعم، أعلم ذلك. وكما قلتُ لكم مِن قَبل: أنا هنا من أجله، فله أن ينمُوَ ولي أن أنقصَ. فأنا صديق العريس.
نعم، “صديقُ العريس”. هذه الصفةُ في العهد القديم هامةٌ جدّا، وفي الثقافةِ العبريةِ أيضا، فهى تدلُّ على الشخصِ الذي يُكلِّفُهُ العريسُ، كي يذهبَ ويهيّئَ الفرح. يهتمُ أن تتأهبَ العروسُ، ويرتِّبُ كلَّ الأمورِ كي يُجهِّزَ للعريسِ والعروس الاحتفالَ، في أحسنِ حالٍ وأفضلِ استعداد. وحالما يسمعُ صوتَ العريسِ قادماً، ينسحبُ، بدون حزنٍ، بل فَرِحًا. لهذا يقول يوحنا “هُوذا فَرَحي قد تَمَّ”، لأني أتيتُ لهذا: أن أحضِّرَ الفرَح. والآن ها العروسان معا. نعم “هُوذا فَرَحي قد تَمَّ”.
ومِن قَبل، حين سألَ الشعبُ يوحنا : اذا كان هو المسيح؟ أجابَ: أنا لستُ هو، بل بالأحرى لا يحِقُّ لي أن أفُكَّ رباطَ نعليه (يو 1: 27)، اي لا يحقُّ لي ان أخلعَ عنه نعليه.
كلمة نعل (حذاء)، تظهرُ في الكتاب المقدس في مواقفَ كثيرةٍ ومتنوعة. استوقفني منها: موسى النبي عندما رأى العُلَّيقةَ مشتعلةَ وحاول الاقترابَ إليها، فسمعُ صوتا يقول له: “لا تدْنِ إلى ههنا. إخلع نعليكَ من رجليك، فإن المكانَ الذي أنتَ قائمٌ فيه أرضٌ مقدسة ” (خر 3: 5).
بالتأكيد كما يرى الكثيرون، أن هذه العلامةَ للاحترامِ والخشوع. كما أنَّ ارتداءَ النعلِ على أرضٍ معيَّنة، تدُلُّ في التقاليد العبرية على الامتلاك.
هكذا فعل قريبُ راعوث، عندما تراجع عن شراءِ حقلِ ابيمالك، ورفض الزواجَ من راعوث. فقال لبوعز: إني أتنازلُ لكَ عن الحقل، وعن حقي في الزواج براعوث. وعلامةً لهذا العهد: “خلعَ القريبُ نعلَهُ من رجلِهِ وأعطاه لبوعز”، دليلاً على تخلِّيهِ عن الحق في الشراءِ والملكية (راعوت 4: 1 – 8).
وها هنا يسألُ الشعبُ يوحنا: هل أنت المسيحُ، كي نتبعَكَ، ونصيرَ تلاميذَكَ؟ فيقول: لا. أنتم لستم لي، أنتم للعريس، وأنا لا استحِقُّ أن آخُذَ هذه المِلكيَّةَ منه. لا استطيعُ أن أخلعَ نَعليهِ من قدميه، أي أن أجعل نفسي عريساً لكم.
ما أجملَ أن نحيا الحياةَ المكرسة والكهنوتية بل والزوجية بهذا البُعد، أن أعِيَ أن الأشخاصَ، وكلَّ ما يُسَلَّمُ لي، هو ليس لي. فأنا لستُ إلا صديقَ العريس، ويجبُ أن أنسحِبَ متى يشاءُ تدبيرُ الربِّ ذلك. أمّا طِوالَ خِدمتي، فعليَّ أن أهيِّئَ النفوسَ للعريسِ الحقيقي. وفي هذا يكتملُ فرحِي. بينما يا لتعاستي إذا مالَ قلبي، ورغبتُ في أن أتملَّكَ الاشخاص، فأفقدُ سببَ وجودي وجوْهرَ رسالتي. نعم، ما أجمل أن نحيا هكذا: لا شيءَ ملكٌ لنا، بل نخلعُ نعلينا حتى عن حياتِنا، ونجعلَها مِلكاً للعريس. فلنخلعْ نعلينا، فنحن مدعوُّون ان نكونَ “صديقَ العريس”. وبهذا سنفرحُ جميعا: من يزرعُ ومن يحصد. آمين.
أيام مباركة.