على بئر السامرة

يحذّر اللاهوتي و الكاتب الأب نووين ( ( Nouwenمن كثرة الإعجاب بنتائج أعمالنا. فإنه عندما يتسرب هذا الإعجاب بالنفس الى الداخل يكوّن ببطء قناعة خاطئة بأن الحياة هي كناية عن لائحة نتائج ضخمة حيث يتم تعداد النقاط لقياس قيمتنا. وقبل أن نعي ما يحصل، نكون قد بعنا أروحنا لكثير ممن يمنحوننا تقيّمهم و يضعون لنا “العلامات”.

Share this Entry

  هكذا نغرق في وحول مقاييس الآخرين:

فنصبح الأذكياء “فقط” لأن شخص ما يعطينا العلامات العالية، وذوي الفائدة “فقط” لأن أحدهم شكرنا و الجديرين بالإحترام “فقط” لأن أحدهم أبدى إعجاباً بنا…. وتطول اللائحة المرتبطة “فقط” ب “نجاحاتنا”.

وكلما سمحنا لإنجازاتنا – نتائج أعمالنا – أن تمسك بمعايير احترام الذات، كلما غرقنا بضبابية قدرتنا على الارتقاء إلى مستوى التوقعات التي تخلقها نجاحاتنا هذه. و يكاد يجزم الأب نووين أن حياة الكثير من الناس، مرتبطة ب”سلسلة شيطانية”مكوّنة من مخاوفهم  التي تنمو  مع نجاحاتهم. و هذه القوة الداكنة تدفع العديد من أعظم المبدعين الى ما يعرف بالتدمير الذاتي !!!

إنه العطش… على بئر السامرة حذّر منه الرب ” كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا ، ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية” (يوحنا الفصل الرابع:13-14). وفي حياتنا اليوم، سبب هذا العطش هو استبدال ما منحه الرب بآبار العالم. نستبدل يسوع مصدر الفرح و الإكتفاء الحقيقيين بأمور أخرى. و غالباً ما تقع تلك الأمور تحت خانة “الجيد” و الأمثلة كثيرة: النجاح بالعمل، والأسرة، و حتى خدمتنا للرب !!! فيحدث كثيراً أن نقدس تلك و ننسى الجوهر…. يخبرون عن كاهن كان عاشقاً لترتيب خدمة القداس و عبادة القربان الأقدس. و في يوم، وهو يشرف على تطبيق تنظيمه “المشهور به” لإحدى سهرات الصلاة أمام القربان، ينتهر أحد مساعديه لأنه تأخر عن رفاقه في المشي بالزيّاح فبادره المساعد هامساً: “ولكن، أبتي نسيت شيئاً مهمّاً أتيت أذكرك به”. إمتعض الكاهن متسائلاً عمّا يكون قد نسي، فأجاب المساعد:

” القربان!!” .

كل خدمة أو كل عمل لا يعطي الرب حقه في الأولوية في حياتنا يفقد قيمته، و يصبح عبئاً… و في خضم هذه الحياة من المفيد أن نعلم أن إعطاء الرب المكانة الأولى في حياتنا لا تزيده عظمة، كما أن تهميشه لا يفقده قيمته. إنما الموضوع يتمحور حول مصلحة المخلوق و ليس الخالق. فعندما نهمّش مصدر الحياة نقع في يد الموت، و عندما نهمل مصدر النور يسود علينا الظلام و نصبح ألعوبة بيد الظلال… لذلك كل “نجاح” لا يؤدي الى تعميق علاقة أبدية مع  المسيح ،”عاشق نفوسنا” ذاك، إنما لا معنى له و لا فائدة منه… يشبه مياه بئر السامرة حيث العطش يسود.

دخلت مراهقة فرنسية دير الكرمل مستحبسة… هناك عاشت أقل من 10 سنوات، وماتت في سن ال 24 بسبب مرض السل. لم “تحقق” شيئا يعوّل العالم الخارجي عليه أهمية. لم تفتح مستشفيات أو تدشن مدارس… لم تلتقي أمراء و لا إجتمعت برؤساء… حتى إنه بمعزل عن بعض الكتابات الشخصية ، هي لم تكتب مجلدات للاستهلاك العام ….إنما عاشت حياة هادئة مليئة بالصلاة والعمل اليومي البسيط و تسليم كل ألم أو معاناة بين يدي الرب. ولكن بعد وفاة تريز دو ليزيو​​، العالم كله سوف ينظر الى  تلك “المجهولة” بمنطق الأرض ، ليس فقط كقديسة  عظيمة إنما أيضاً  كمعلمة في الكنيسة. 

طرق الله وإن تبدو مختلفة، فلنسلكها لأنه لا ريب في مجد خواتيمها…. هناك الشرط الوحيد ليس النجاح كما يصنفه البشر إنما الأمانة للحب الأكبر.

Share this Entry

أنطوانيت نمّور

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير