سارة طفلة عراقية، جميلة كأرض العراق، عيناها كبلح ارضها، شعرها يعكس لون تراب سهل نينوى، كسيحة مثل شعبها في هذه المحنة.
استقبلوني في صف مدرسة صار منزلهم، هي تأكل تفاحة، تخبئها في جيبها لتسلم علي، تهذيبها يدفعها لمصافحتي، رغم خوفها على تفاحتها من ان تصبح في فم احد الاولاد.
جلسنا على مقاعد صغيرة ومنخفضة، لا بد ان الصف كان حضانة اطفال، قبل ان يصبح محطة في مسيرة شعب يرحل.
ألم سارة كبير، لقد احتاجت الى عملية جراحية وعلاج لكيما يصبح بامكانها الوقوف على قدميها بواسطة عكاز بدلا من التنقل على الارض زحفاً. ولكن علاجها لا يزال في بدايته، ولا بد من العودة الى لبنان لاستكماله لتتمكن من السير ولو على عصيّ.
المها كبير ولكنه ليس الالم الاكبر. أخوها الصغير يمشي عارجاً. أسأل عن السبب، يقولون انه قد اصيب في قراقوش، اصيب في رجله، وخضع لعملية زرع شريان، والا لكان هو ايضاً صار كسيحاً.
يريني الوالد صوراً فظيعة، اشيح وجهي عنها بصورة عفوية، وأسال ما هذا؟ وكان على ان اقول: من هذا. هو ابنه الآخر، ابن السنوات الخمسة، اصابته القذيفة عينها وجعلته اشلاء وهو وطفل آخر. اقاموا مراسم الدفن مساء، وفي مناضف الليل على الصراخ: “ارحلوا سريعاً”. تركوا كل شيء، حملو كنزهم الوحيد، ابنة كسيحة وابن جريح، وتركوا صغيرهم في تراب قريتهم وانطلقوا.
على الطريق فقدوا اوراقهم، لا جواز سفر يملكون، ولا اوراق ثبوتية. صاروا غرباء دون هويّة في أرض كانت حتى الامس بلادهم.
الوالد يريد الرحيل، يرغب بالهجرة من اجل ابنته خاصة، لتتمكن من السير يوماً، من اجل ابنه ليكبر كما يكبر كل اطفال الكون، يلعب ويذهب الى المدرسة، لا ان يرى اخاه امامه اشلاء، ملفوفة في حرام قديم.
في هذه العائلة اختُٰصرت معاناة شعب…