اختتم أمس سينودس الكنيسة السريانية الأنطاكية في روما وقد ترأسه مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الأنطاكي، وسيلتقي صاحب الغبطة مع سائر أساقفة وكهنة الكنيسة السريانية الكاثوليكية بالبابا فرنسيس يوم غد الجمعة في إطار الزيارة إلى الأعتاب الرسولية.

تطرق السينودس إلى مواضيع مختلفة إن في كلمة افتتاح البطريرك، وإن في البيان الختامي.

في هذا الإطار الغني والحافل، التقينا بصاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك الكنيسة السريانية الأنطاكية، لنطلع معه على أهم ما بدر عن السينودس وعما ينتظره غبطته من اللقاء مع البابا فرنسيس.

* * *

في خطاب الافتتاح أشرتم إلى أن السينودس سيركز على التنشئة الكهنوتية. لم هذا الموضوع بالتحديد في ظل ما تتعرض له كنيستكم؟

إن الأحداث المؤلمة التي تمت في كنائسنا في الأشهر الأخيرة كانت الدافع الرئيسي للتركيز على قضية وجودنا ومصيرنا ككنيسة سريانية في الشرق الأوسط.

بحثتنا في التنشئة الكهنوتية في السينودس السابق وكنا نريد على ضوء نقاشات السينودس الحالي، إصدار رسالة رعوية عن الخدمة الكهنوتية في كنيستنا. ادعاؤنا ليس أن نفي بكل أبعاد الخدمة الكهنوية بشكل عام، بل انطلاقًا من كنه الدعوة الكهنوتية الذي هو التكرس للخدمة. ككنيسة اليوم نحن معرضون للكثير من التحديات، فقد وجد كهنتنا أنفسهم في أوضاع غير اعتيادية البتة. ولا نعرف كيف نتجاوب مع تساؤلاتهم وكيف نجمعهم للقيام من جديد بخدمتهم بحسب روح الرب.

على سبيل المثال، في أبرشية واحدة مثل الموصل هرب 25 كاهن مع أسقفهم. وآخرون عادوا ليقيموا مع أهلهم المهجرين. لذا أردنا لفت النظر إلى أوضاعنا الأليمة التي نمر بها.

قارنتم النكبة التي حلّت بأبرشية الموصل وتوابعها منذ ستّة اشهر، بما عرفته الكنيسة المشرقية منذ مئة عام، أي نكبة "السوقيات". هلا شرحتم؟

حتى شهر حزيران الماضي، كنا، كمسيحيين في شمال العراق، نجابه تحديات الفوضى في الأمن والاستقرار وعدم حضور القوى الشرعية لحماية الناس. وبشكل خاص في الموصل، كان هناك فوضى عارمة وكنا مع بقية المسيحيين والأقليات نشارك في هذه المحنة.

في شهر حزيران اقتلعنا كلنا من أرضنا وبيوتنا. كنا نتجاوز الخمسة عشر ألف عائلة...

وبعد ذلك تمت النكبة الكبرى حيث طرد 120 ألف مسيحي من سهل نينوى الذي كان فيه أكبر تجمع مسيحي في العراق وذلك بين ليلة وضحاها. من مدينة قرقوش  فحسب هُجر نحو 50 ألف مسيحي. في هذه المدينة هناك 9 كنائس للسريان الكاثوليك عدا عن كنيسة الأرثوذكس.

هذا السهل الذي هو نصف دائرة من جنوب الموصل الشرقي إلى الشمال الغربي، مع بقية المكونات الصغيرة مثل اليزيديين، العرب والأكراد. كمسيحيين كنا نشكل نحو 35 و 40 بالمائة من سكان هذا السهل. هذا السهل كله أفرغ من المسيحيين بظرف ساعات. بقي عشرات الأشخاص الذين لم يستطيعوا أن يهربوا عشية عيد التجلي.

وصفتم كنيسةً السريان الكاثوليك بـ "كنيسة شاهدةً وشهيدةً منذ قديم الأزمان"،لم تعتبرون بأن السريان هم أكثر من تضرر بسبب هذه الفاجعة؟

ما حصل في سهل نينوى تأثر به السريان أكثر من أية طائفة مسيحية أخرى. فمن بين المهجرين، يشكل السريان نحو 60 ألف شخص. والآن، إذ انتقلنا إلى كردستان ليس لدينا أبرشيات نلجأ إليها. وذلك بعكس إخوتنا الكلدان الذين لديهم بطريركية بابل، والذين يشكلون القسم الأكبر بين المسيحيين.

أغلبية أبناء رعايانا يعيشون الآن في المآوي، الملاجئ، وفي مبانٍ فارغة. هناك البعض الذين يستطيعون استئجار الشقق ويقطنونها كعائلات.

إذا أجرينا إحصاءاتٍ موضوعيةً، نستطيع القول بأنّ أكثر من ثلث طائفتنا الموجودة في المشرق قد تشرّد، ولا أحد يعلم سوى الله، متى يعود هؤلاء المهجَّرون قسراً، إن هم عادوا..!

إذا ما انتقلنا إلى البيان الختامي نلاحظ أن السينودس يوجه نداءً عاجلاً للمجتمع الدولي للإسراع في تحرير الموصل وبلدات سهل نينوى، ليعود أهلها إليها. ما رأيكم بالسياسية الدولية الحالية في قضية سوريا والعراق؟

أصدرنا هذا البيان كصرخة مدوية في المجتمع الدولي. إزاء الكارثة التي حلت فينا، ندين بشدة من شارك في خلق هذه الفاجعة. دون شك هذه العصابات لم تُجد من لا شيء. هناك مخطط دولي يتّبع سياسية ماكيافيليّة، يستعمل فيها الضعفاء لتحقيق مآرب جيوسياسية.

من هنا على الدول التي خلقت هذه المشاكل أن تحرر الأراضي التي انتُزعت من أصحابها، وتعيد لنا كرامتنا، وتفرض سيطرة الأمن والقانون لكي يستطيع الناس العيش من جديد بطمأنينة.

نحن نريد تحرير الأرض وفرض الأمن والسلام بشكل صحيح.

ما رأيكم بالهجمات الجوية التي تقوم بها الولايات المتحدة ضد داعش؟ هل هي كافية؟

في قرارة نفس كل إنسان ذي نية صالحة ومعرفة، قناعة بأن الضربات الجوية لا تكفي، لأن هذه العصابات ليست جيش منظم. هي مجموعات تكفيرية إرهابية تدس نفسها بين الأهالي والمدنيين، والكثير من المدنيين تبعوها على أساس طائفي. لدينا في العراق صدامات طائفية (بين السنة والشيعة) وقومية (بين العرب والأكراد)، ولذا فالضربات الجوية تستطيع أن تجرح وتؤذي ولكنها لا تقضي على هذه الجماعات.

وهل ترون في بعض المجموعات المسلحة المسيحية الصغيرة التي بدأت بالنشوء جوابًا لهذا الوضع؟

الدفاع عن النفس حق، والدفاع عمّن نحن مسؤولون عنهم، ليس فقط حق، بل هو واجب. يجب أن نعرف أننا لا نتهجم على غيرنا وأنه يجب أن نلجأ إلى الدفاع عن النفس. نحن كرجال دين لا تدخل لنا في هذا الشأن. هذا يعود إلى الناشطين في الحقل المدني. وينطلق من احتياجات الشعب. الدفاع عن النفس حق وقد يكون أيضًا واجبًا.

(يتبع)