كيف قرأ بولس حدث الخروج في الرسالة الأولى إلى أهل قورنتس (١٠: ١-١٣) ولماذا؟
تبيّن قراءة ١ قور ١٠: ١-٦ و١١ حيث ترد عبارة “صورة” أنّ العهد الجديد استعمل الأسلوب النموذجيّ (تيبولوجيا) أو ما يمكن أن ندعوه إعادة قراءة نصوص العهد القديم على ضوء المسيح. في حثّه على تفادي الوقوع بعبادة الأوثان، قرأ بولس حدث الخروج قراءة نموذجيّة. على أنّ هذه الطريقة التفسيريّة أو ما يدعى بشكل عامّ “إعادة قراءة” (relecture) يتأصّل في الكتاب المقدّس نفسه وفي التفسير اليهوديّ المعاصر للرسل. لذلك يمكن القول مع كثير من المفسّرين إنّ بولس سار على نهج التفسّير الربّانيّ. في ١ قور ١٠: ١-١٣ لدينا مدراش لنصوص من سِفر الخروج وخاصّة من سفر العدد. في هذا النصّ يستعمل بولس بلاغة الأمثال. المدراش هو تفسير مكتوب لنصّ مكتوب. في شرحه المدراشيّ لحدث الخروج، نجد ما يشبه الهاجادا (الرواية) والهالاخا (الحثّ على الأخلاق). لشرح نصّ ما، يستعمل المدراش نصوصًا كتابيّة أخرى. في النصّ البولسيّ لدينا استشهاد واضح لـ خر ٣٢: ٦ في ١ قور ١٠: ٧: “فلا تَكونوا مِن عُبَّادِ الأَوثان كما كانَ بَعضُهُم، فقَد وَرَد في الكِتاب :”جَلَسَ الشَّعْبُ يَأكُلُ وَيشرَب، ثُمَّ قاموا يَعبَثون””. إنّه النصّ الوحيد المذكور بشكل حرفيّ بحسب الترجمة السبعينيّة. وما تبقى هو استشهاد ضمنيّ لنصوص من سفري الخروج والعدد.
في توجيهه الرسوليّ يجمع بولس بين خبرة البرّيّة في الخروج وخبرة المسيحيّين في قورنتس، مستعملاً لغة الفداء في مفهوم العهد الجديد لوصف خبرة الشعب أثناء الخروج. هكذا يستعيد تاريخ الخروج على ضوء خبرة أهل قورنتس. يفسّر المنّ وهبة الماء في البرّيّة (خر ١٧: ٦ وعدد ٢٠: ٧-١١) كطعام روحيّ وشراب روحيّ، منوّهًا بالإفخارستيّة وهي موضوع النصّ التالي في ١٠: ١٤-٢٢. يضع بولس المسيح في مركز شرحه، إذ نجده في قلب الحدث التاريخيّ: فقد كانوا يشربون من صخرة روحيّة تتبعهم، وهذه الصّخرة هي المسيح (١٠: ٤). الشّعب جرّب الرّب في البرّيّة (خر ١٧: ٧)، أمّا اليوم فلا يجب أن نجرّب المسيح (أو الربّ: رج النصوص) (رج ١٠: ٩). وفي كلّ هذا تعليم ينطلق من العهد القديم لفهم ما يعيشه اليوم أهل قورنتس والاستفادة منه لتحاشي أخطاء الآباء. تجدر الإشارة إلى أنّ أهل قورنتس ما كانوا من أهل الختان. على أنّ بولس الرسول أوضح في تعليمه أنّه يجب على المسيحيّين على مرّ العصور اعتبار الخروج تاريخهم، والإيمان بأنّ المسيح هو مركز هذا التاريخ: هذه الصّخرة هي المسيح. وفي خلاصة القول حول قراءة بولس لسفر الخروج باستطاعتنا الرجوع إلى ما ورد في الرسالة الثانية إلى تيطس: “فكُلُّ ما كُتِبَ هو مِن وَحيِ الله، يُفيدُ في التَّعْليمِ والتَّفنْيدِ والتَّقْويمِ والتَّأديبِ في البِرّ، لِيَكونَ رَجُلُ اللهِ كامِلاً مُعَدًّا لِكُلِّ عَمَلٍ صالِح” (٣: ١٦-١٧).