وجه غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، رسالة الصوم الرابعة، بعنوان “الصوم الكبير، زمن الجوع والعطش إلى البر”، دعا فيها الى “أن نجدد علاقاتنا مع الله والذات بالصلاة والتوبة الداخلية، ونرمم علاقات الأخوة مع من نحن في حالة نزاع معهم بالغفران والمصالحة”.
وقال: “الصيام هو الامتناع عن الطعام من نصف الليل حتى الظهر، مع إمكانية شرب الماء فقط؛ والامتناع عن أكل اللحم والبياض أيام الجمعة؛ والكل من اثنين الرماد (١٦ شباط) حتى سبت النور (٤ نيسان)،
باستثناء الأعياد التالية: مار يوحنا مارون (٢ أذار)، الأربعون شهيدا (٩ أذار)، مار يوسف (١٩ أذار)، وبشارة العذراء (٢٥ أذار)؛ وباستثناء السبت والأحد، بحسب تعليم القوانين الرسولية (سنة ٣٨٠).
ففي السبت تذكار الخلق، وفي الأحد تذكار القيامة. تستثني هذه القوانين سبت النور “لأن اليوم الذي كان فيه الخالق تحت الثرى، لا يحسن فيه الابتهاج والعيد، فالخالق يفوق جميع خلائقه في الطبيعة والإكرام”.
أضاف: “الامتناع عن أكل اللحم والبياض يستمر في كل يوم جمعة على مدار السنة، ما عدا الفترة الواقعة بين عيدي الفصح والعنصرة، والميلاد والدنح، والأعياد الليتورجية الواجبة فيها المشاركة بالقداس الإلهي مثل:
الميلاد، والغطاس، وتقدمة المسيح إلى الهيكل، ومار مارون، والصعود، والرسولان بطرس وبولس، وتجلي الرب، وانتقال العذراء إلى السماء، وارتفاع الصليب، وجميع القديسين، والحبل بلا دنس، وعيد شفيع الرعية.
ولا بد من التذكير بالعادة التقووية، القديمة العهد، والمحافظ عليها في جميع الكنائس الشرقية، الكاثوليكية والأرثوذكسية، وهي ممارسة القطاعة في صوم ميلاد الرب يسوع، وقد اقتصرناها، تسهيلا للمؤمنين من ١٦ إلى ٢٤ كانون الأول، وصوم القديسين الرسولين بطرس وبولس وحددناه من ٢٠ إلى ٢٨ حزيران، وصوم انتقال السيدة العذراء إلى السماء وحصرناه ما بين ٧ و ١٤ آب.
إننا نشجع القادرين على ممارسة الصوم أيضا مع القطاعة. كل هذه الأزمنة والأيام من الصيام والقطاعة تشكل محطات فارقة في حياة التوبة التي تعيشها الكنيسة. وهي مناسبات فريدة لإحياء الرياضات الروحية في الرعايا والأديار والمؤسسات التربوية والاستشفائية والاجتماعية،
ولتأمين ممارسة سر التوبة والمصالحة، ولتنظيم ليتورجيات توبة جماعية مع إبقاء الاعتراف الشخصي والحلة السرية الفردية؛ وللقيام بزيارات حج تقوية بروح التوبة؛ وللمبادرة إلى أفعال محبة ورحمة تجاه الأخوة الفقراء والمرضى والمعوزين”.
وتابع: “الصيام تعبير عن التوبة الداخلية. فالامتناع عن الطعام وعن أكل اللحم والبياض، وما يرافقه من إماتات وأفعال محبة ورحمة، إنما يندرج في مبادرات التكفير والتعويض عن الأخطاء والخطايا والشرور التي اقترفناها.
والصيام تدريب للإرادة والنفس والجسد، من أجل تحقيق الانتصار على الذات في ضعفها وانحرافها، وبلوغ حرية القلب. إنه شريعة إلزامية، مصدرها الكتاب المقدس، في عهديه القديم والجديد، وخضع لها المسيح الرب بصيامه أربعين يوما، استعدادا لبدء رسالته العلنية (راجع إنجيل القديس متى الفصل ٤ الآية ٢).
أدرجت الكنيسة هذه الشريعة بين وصاياها الخمس وهي الرابعة.
فبعد الوصية الأولى بالتزام المشاركة في قداس الآحاد والأعياد المأمورة،
توصي الثانية بواجب الاعتراف بجميع الخطايا، أقله مرة في السنة،
وتأمر الثالثة بمناولة القربان المقدس أقله في عيد الفصح،
ثم تكتمل بالرابعة وهي الالتزام بالصيام والقطاعة في الأزمنة المحددة،
وبالخامسة أي مساندة حاجات الكنيسة بالإحسان والتبرعات.
الغاية من وصايا الكنيسة، بطابعها الإلزامي، أن تضمن للمؤمنين القليل الضروري من روح الصلاة والالتزام الأخلاقي، من أجل النمو في محبة الله والناس.
أما عيش الوصايا فمرتبط بالحياة الليتورجية، ويغتذي منها. نقول “وصايا الكنيسة”، لأن كل مسيحي ومسيحية يحقق دعوته في الكنيسة، في الشركة مع جميع المعمدين.
فمن الكنيسة، يتقبل كلمة الله التي تحتوي تعاليم “شريعة المسيح” (رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية الفصل ٦ الآية ٢).
ومن الكنيسة يتعلم مثال القداسة في شخص مريم العذراء، وهي القدوة الأسمى، وفي شهادة حياة الذين يعيشونها بأصالة، وفي التقليد الروحي الحي، الظاهر في حياة القديسين على مدى التاريخ”.
المصدر: موقع البطريركية المارونية