هل يمكننا أن نرمزَ لـ بلاد النيل ، بعالم المظاهر ؟!

الطريق إلى الفصح – رياضة روحيّة ألقيت في الفاتيكان في آذار 1987 للأب بيتر هانس كولفنباخ (4)

Share this Entry

إنّ اختبار الصحراء الفصحيّ خلال تلك الأربعينَ سنة يظلّ لنا سرّ انفتاح قلوبنا على ربّ الفصح . فالبحر ينفتح ليتيح عبور ” الفصح ” شعب الله ، وهكذا ينفتح كلّ شيء أمامنا عند موت الربّ . وكما يروي إنجيل متى ، فإنّ الأرض تزعزعت ، والصخور تشقّقت ، وحجابُ الهيكل تمزّق ، والقبور تفتحت وأجساد العديد من الراقدين قامت من بين الأموات . عَبَرَ شعب الله البحر الأحمر فانفتحت أمامه الطريق إلى أرض الميعاد .

أمّا نحن ، فإننا نُقدِم أحيانــا على عرض تلك المسيرة ، كما لو كانت موكب انتصار  ، وننسى أنّ الموت طبع عبور الصحراء إلى حدّ بعيد . فشعب الله في الصحراء ، في طريقه نحو ينبوع الحياة ، الذي ترمز إليه أرض الميعاد ، كان عند مفترق بين الحياة والموت . فوراءه أرض مصر ، التي لها ظاهر الحياة الآمنة ، لكنّها في الحقيقة أرض العبوديّة ، وأمامه تنبسط الصحراء ، التي لها ظاهر الموت ، لكنّها ، على نقيض الآولى ، طريق الحريّة . إلاّ أنّ الشعب العبرانيّ لم يكن يستطيع الدخول في فرح أرض الميعاد  إلاّ من خلال مروره في ذلك الموت .

فموسى البارّ والقبائل الاثنتا عشرة ، وجب عليهم أن يهربوا من عدوّ يمثّل الحياة الآمنة ، بالرغم من العبوديّة . والشعب كان يتقدّم نحو موت ٍ مجهول ، نحو الموت ، في حين أنه كان يرغب في الحياة ، وكان عليه ، للوصول إلى ينبوع الحياة ، أن يتغلّب على تجربة العودة إلى عالم المظاهر ، الذي تمثّله ، على وجه الخصوص ، بلاد النيل .  فـــالخروج هو في الواقع هروبٌ إلى المجهول ، الذي هو الموت في حدّ ذاته .

خلال هذ الاختبار الذي يتناول الكائن في صميمه ، الذي هو اختبارنا ، كما هو اختبار الكنيسة ، فتحَ الربّ الإله عبر الموت طريق الحياة الفصحيّ ، إذ ضبط تهديد البحر القاتل بواسطة حائطي الحياة وبابيها . لذلك ، طلب الربّ من الشعب المختار أن يضعَ فيه ثقته ، وان يعتمد عليه وحده . ” اليوم إن سمعتهم صوته ، فلا تقسّوا قلوبكم كما في مريبة ، وكما في يوم مسّة في البريّة ، حيث آباؤكم جربوني واختبروني وكانوا يرون أعمالي ” (مز 95) .

مقابل قلب الله الذي انفتحَ ليهب الحياة في صحراء النعمة ، وهي صحراء المحنة أيضا ، ارتفعَ قلب الإنسان الموصد القاسيّ بالرغم من أنه رأى الربّ يعمل من أجل خلاصه . ومحنة الشعب الآولى هذه ، خلال الأربعين سنة في الصحراء ، انتهت بالفشل الذريع . لكنّ الله ، وهو الحبّ ، لم يتخلّ مطلقا ، في رحمته ، عن الإنسان ، بعد أن أصبح هذا الأخير فريسة للموت . لذلك ، تعلن الرسالة إلى العبرانيّين : أنّ زمن الفصحَ الجديد قد اقترب ، فعاد الله إلى توقيت يوم هو ” اليوم ” (عب 4 : 6 – 7 ) . وهذا “اليوم” حلّ بيننا مع مجيء كلمة الله ، ابن الإنسان ، والربّ القائم يدعونا إلى المشاركة ثانية ، من خلال ” اليوم الفصحيّ ”  ، في الخروج الجديد ، في تجربة الأربعين يومــًا . وهو نفسه أيضا أراد أن يحقّق ذلك الخروج  ، بعد عبوره البحر الأحمر ، أي بعد اعتماده ، بحسب ما قاله آباء الكنيسة ، فترك الروح يقوده في الصحراء ، ” أقام فيها أربعين يومـــًا يجرّبه الشيطان ” (مرقس 1 : 13 ) .

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير