تجربة الأربعين يومــــًا ليست تجربة جديدة ، بل هي قديمة قدم العالم ، يحرّكها ذاك الذي هو الكذّاب منذ البدء . كتبَ كيرلّس الأورشليميّ : ” الحيّة ترقب المارّ على الطريق ، وتتبع خطى الذين يسيرون على طريق الخلاص . كنْ خفيرًا على نفسك لئلاّ تختطفها لنفسها ” . التجربة هذه هي تجربة الإنسان الذي يخلّص نفسه من خلال طريق مغاير لطريق الفصح . ويسوع نفسه تحمّل هذه التجربة : ” إن كنتَ ملك اليهود فخلّص نفسك ! ” (لوقا 23 : 37 ) ، و ” إن كنت ابن الله ….. ” (متى 27 : 40 ). فالتجربة بحسب ما تعرّض لها يسوع ، لا تتعلّق فقط بالعمل لمشيئة الله لخلاص الإنسان من الموت ، بل بخلاص الإنسان بطريقة مغايرة لطريق الفصح . وعلى سبيل المثال ، فإنّ الخبز أصبح مادّة التجربة ، عندما أراد الشعب أن يتوّج يسوع ملكـــا ، بعد معجزة تكثير الخبز . ورؤيته في شكل كائن إلهيّ تصبح مادّة التجربة عندما أراد التلاميذ ، وقت التجلّي ، أن يُقيموا في ملكوت أرضيّ .
هاتان التجربتان هما صورة للتجربة الكبرى التي تقضي بالعودة إلى ” مسيحانيّة منتصرة ” في بلاد النيل ، وهي تبدو بلادا آمنة لكسب العيش ، لكن حيث يخسر الإنسان نفسه . وخروج الربّ يتحقّق من خلال اختبار ” طريق الصحراء ” ، حيث إنّ غذاؤه يكون في عمل مشيئة ذاك الذي أرسله وفي تحقيق خلاصنا ، كالخادم المتألّم الذي يهب حياته من أجل افتداء كثيرين (متى 20 : 28 ) ، باسم قلب أبيه ، الذي هو محبّة .
التجربة ، هي التجربة نفسها على الإطلاق ، وفيها يعيد التاريخ نفسه . إلاّ أن خروج الربّ هو جواب جديد على التجربة التي تنقضّ علينا . فالأمرُ لم يعد يتعلّق هنا بالإنسان الضعيف ، العاجز عن الاختيار بشكل ملائم بين الحياة والموت ، ولم يعد يتعلّق بعبد ٍ ذي قلب موصد وقاس ، وهو عبدٌ يفضّل في الواقع أمن حياة العبوديّة على حياة الحريّة المتطلّبة .
على نقيض هذا ، يقبل ابن الله ، وهو الذي يتيحُ لروح الآب أن يقوده في صحراء الموت ، ظروف الخروج كلّها حتى الموت والموت على الصليب ، يدفعه هوى الحبّ نحو أبيه في الروح ، وفي الوقت عينه ، يدفعه الحبّ نفسه ” من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنـــــا ” .
الربّ يحثّنا على المشاركة في يوم الخروج الجديد ، فنخرج من ذواتنا ونخسر حياتنا على طريق الصحراء ، التي تبدو أنّها طرقـــــا تقود إلى الموت ، والتي يجعلها فصح الربّ طرقا تقود إلى الحياة . ” اليوم إذا سمعتم صوته ، فلا تقسّوا قلوبكم ” لأنّ الربّ الإله يفتح أبواب رحمته ، أبواب التوبة الفصحيّة . هذا يقضي بأن نتيح للروح أن يقودنا في الصحراء ، لندخل في سرّ الفصح، من خلال الاشتراك في عطيّة الربّ وغفرانه ، اللذين يفيضهما الروح على أولئك الذين يؤمنون به .