ابتداء من اليوم، سوف نبدأ رحلة ومسيرة إيمانية، نحاول من خلالها ان نتعلم كيفية الخروج من ذاتنا، لنهتم بالآخر (الله – الإنسان). إنه زمن الصوم، نتعلم في هذا الزمن كيف ننسى ذواتنا، ونتمسك بالآخر، فإيماننا وعهدنا مع الرب مبني على بعدين: كيف اعتني بعلاقتي بالله، وكيف أعتني بعلاقتي بالإنسان، وهذا هو جوهر الوصايا العشر، لا توجد وصية تدعونا للاهتمام بالذات، لان هناك من يعتني بنا شخصياً، إنه الله والقريب.

       لهذا، فكل حركة إيمانية، يجب أن تصب في هذا الهدف، وتتبنى هذه المنهجية، انا لا أفكر بذاتي، بل أفكر بالآخرين، وكيف أصل إلى الله ممسكاً بأيديهم لأهبهم له...

       وفي إنجيل اليوم، نرى هذا التحرك الإيمان يتجسّد بشكل فعلي في شخصية بارزة في النص، هي أمنا مريم العذراء. فنرى موقفين تتعامل من خلالهما مريم لتعبّر عن ثقتها وإيمانها بإبنها يسوع، بأنه قادر أن يفعل شيئاً يزيل القلق والارتباك لأصحاب العرس.

       في نص إنجيل اليوم، لا تهتم مريم لفرحتها بالعرس بشكل شخصي، فكان من الممكن ان تجلس مع الآخرين وتستمتع بأجواء العرس، ولكنها لا تفكر بذاتها وفرحها الشخصي، بل تحاول من البدء متابعة القائمين على العرس. تشعر بان هناك خلل ما حدث ومن شانه أن يغير الأجواء إلى تذمّر ونقد وقلق بين الحضور. لهذا، تنتفض وتتحرك في اول فعل وأول حركة إيمانية: تتجه نحو ابنها. فهي تعرف بأن أية مصيبة من شأنها أن تحطّم الانسان، ولكن من يتلفت إلى يسوع، فلن يخاف من التحطّم، لأن يسوع سيجبّر كل انكسار. والحوار الذي دار بينهما، والذي يبين بشكل درامي، موقف يسوع المتسائل: ماذا تريدين مني الآن، هل تستعجلين مسيرتي لاصل إلى النهاية المحزنة قريباً؟ .. ولكن مريم، تبقى مصرّة، وتبقى متجهة نحو يسوع، وهنا تأتي الحركة الإيمانية الثانية.

       هنا مريم تقول للخدم، إفعلوا ما يأمركم به، هي لا تتراجع امام ما يتبين أنه موقف رافض من قبل إبنها، بل تعرف أن وراء تلك الكلمات، قلباً رحوماً شفوقاً وعطوفاً، فتبقى تلح في تحركها وطلبها، ولكن بطريقة أخرى، تلتفت إلى الخدم وتقول لهم: إفعلوا ما يأمركم به... وبالفعل، يتم الأمر كما أرادت، لأنها طلبت من اجل الخير، لا لها، ولكن لأجل الآخرين....

       أحبتي:

       حياتنا عرس، ومن الممكن أن تنسينا فرحة العرس، اللقاء بالآخر، قد تنسينا فرحة العرس، كيف يهمّ أصحابه بالتحضير والقلق للاحتفال به بأبهى حلة... قد ننشغل في فرحة العرس بإمتاع أنفسنا وننسى اننا في العرس، جماعة، أي مع الآخرين تكتمل فرحتك، وليس لوحدك.

       الصوم، هو زمن الالتفات إلى يسوع في رحلة العرس هذه. فهناك القلق من ان نفشل في إدامة فرحة العرس. فنلتفت إلى يسوع، هذا هو أول أمر نتعلمه من مريم العذراء، أن نلتفت إلى يسوع، لأنه هو الأساس الحقيقي الذي عليه نستند لإقامة أية فرحة دائمة. وحتى وإن لم نلق الجواب، علينا أن نكون مثل مريم متمسكين بيسوع، لجوجين في طلب المساعدة، وبثقة لا حد لها، ننصاع لاوامره، فهكذا تعلمنا امنا مريم، والنتيجة، تستمر الفرحة، خمراً يُنعش الحياة.

       لا توجد حركة إيمانية في حياتنا إلا وتدعونا لنلتقي بالآخرين، هذا هو العهد الحقيقي، أن ننطلق نحو الاعتناء بعلاقتنا بالله وبعلاقتنا بالإنسان. والصوم يذكرنا بهذا العهد، فنقرأ كلمات يسوع: " أَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ وكُلِّ ذِهِنكَ. 38تِلكَ هي الوَصِيَّةُ الكُبرى والأُولى. 39والثَّانِيَةُ مِثلُها: أَحبِبْ قريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ" (متى 22: 37-39). ونقرأ في إشعيا: حَلُّ قُيودِ الشَّرِّ وفَكُّ رُبُطِ النِّير، إِطْلاقُ المَسْحوقينَ أَحْراراً وتَحْطيمُ كُلِّ نير؟ أَن تَكسِرَ للجائِعِ خُبزَكَ وأَن تُدخِلَ البائسينَ المَطْرودينَ بَيتَكَ وإذا رَأَيتَ العُرْيانَ أن تَكسُوَه .... إِن أَزَلتَ مِن أَبْنائِكَ النِّير والإِشارَةَ بِالإِصبَعِ والنُّطقَ بالسُّوء." (اشعيا 58: 6-10) ونعرف أن لا حركة إيمانية شخصية فقط، بل كل حركة إيمانية يجب أن تصب في يسوع مروراً بالإنسان، ممسكين بأيديه وآخذين أيه نحو يسوع.

        نحن لا نصوم لنقوي علاقتنا الشخصية بالله فقط، نحن لا نصوم لأننا نريد الانقطاع عن الطعام، نحن لا نصوم لأننا نريد أن نتعلم العيش والصبر في الحرمان، هذه كلها حركات تقوي الأنانية، ولم يكن الايمان حركة انانية أبداً. بل نحن نصوم لأننا نريد أن ننسى أنفسنا، لنرى بعيون أوضح، ذاك الآخر الذي يدعونا، الآخر المطلق والاساس (الله) والآخر الفقير (الإنسان) ... الفقير المحتاج ليس الذي لا يملك المال، الفقير المحتاج هو كل إنسان، فكل إنسان بحاجة إليك لتنطلق نحو لتلقي بوجهه وتُعرّفه على يسوع، فيشرق وجهه بالنور فيكون على صورته ومثاله، هكذا سيطلق الله صيحة الفرح: إن هذا حسنٌ جداً... 

نِيَاحَةُ أَنْبَا بُولاَ أَوَّلِ السُّوَّاحِ

أنبا بولا أول المتوحدين في مصر عمومًا؛ باعتباره قضى حياته كلها في الوحدة دون أن ينزل مرة واحدة إلى العالم، وقد أخبر القديس أنطونيوس الكبير الشيء الكثير عن حياته… كان غنيًا لكنه اختلف مع أخيه على ميراثه بعد موت أبيه؛ فترك كل شيء بإلهام إلهي؛ حيث أرشده الملاك للذهاب إلى البرية الشرقية في جبل يسمى نمرة؛ بينما كان هو متعلمًا ويُتقن الخط القبطي واليوناني؛ لكنه داس على عسل العالم؛ تاركًا الغنىَ والمال بإختياره، مرتميًا في حضن الله؛ بعيدًا بعيدًا في سفح جبل العربة بالبحر الأحمر (دير الأنبا بولا الحالي)، طائعًا مختارًا يعيش الوحدة مع الله، معتمدًا على شجرة نخيل في غذائه، وفي صنع ملابسه من الليف. وهناك لم يرَ وجه إنسان، ساكنًا مع الوحوش والطير؛ في حالة إنسان (فردوس ما قبل السقوط)، ليأتيه طعامه من عند الذي يُطعم الغربان ويعُول الكل.

"عصا" القدّيسة تريزا الأفيليّة تبثّ التّجديد في تيلي لوميار

انطلقت الرّهبانيّة الكرمليّة في لبنان في “طريق النّور” في يوبيل الخمسمئة على ولادة الرّاهبة الكرمليّة الحافية ومعلّمة الكنيسة تريزا الأفيليّة (1515- 2015)، بصحبة “عصا” القدّيسة الّتي كانت تتّكئ عليها في مسيراتها التّأسيسيّة من دير لآخر. وكان لتيلي لوميار حصّة ضمن برنامجها، فوصلت إلى مبناها في الدّورة برفقة الأبوين نهرا صفير وإيلي برمو، وقادت عصا تريزا الأسرة الّتي كانت في الاستقبال، إلى داخل المؤسّسة على مثال الرّاعي الصّالح، وتحلّق الجميع للصّلاة الّتي ترأّسها الأب نهرا صفير، فعبق البخّور وأفاح معه عطر قداسة مصلحة الكرمل وكأنّ بهذه العصا ببعدها العاموديّ تربط السّماء بالأرض، وتجدّد العلاقة بين الإنسان والله.