أبنائي الأحبَّاء،

يطرقُ الصيامُ بابَ حياتنا مرَّةً جديدةً، فنستقبلُهُ على قَدْرِ فهمِنا له. فانشغاُلنا بأمورنا الحياتيَّةَ لم يعُدْ يسمحُ لنا بالتأمُّل في جدوى حلولِ هذا الزمن الذي ينادينا لإخضاعِ غرائزنا لكِبَرِ الكرامةِ التي لنا مِن اللهِ خالِقنا. ونسألُ ذواتِنا: هَلْ للهِ مكانٌ عندنا؟

للإجابةِ عن هذا السؤالِ، يتوجَّبُ علينا فحصٌ دقيقٌ لِما يملأ كيانَنا في هذا العالمِ المُتباعِدِ أكثرَ فأكثرَ عنِ الإيمانِ بخالقٍ لا يعتبرُهُ كثيرونَ إلاَّ قوَّةَ أعطتِ العالمَ الدفعةَ الأُولى لتتقاعسَ بعدَها عن معالجةِ همومِنا، وتلبيةِ احتياجاتنا وإنقاذِنا من الموتِ المحيطِ بنا. بِحَسبِ هؤلاءِ، لم يَعُدِ اللهُ سوى أسطورةٍ، والأخلاقُ ليست إلاَّ أُكذوبةً، وكلُّ اللذَّاتِ مشروعةً! أمَّا الفضيلةُ! فهي عِبءٌ ثقيلٌ لا مبرِّرَ له. تغييبُ اللهِ أتاحَ لهم رؤيةَ الرغبةَ الخسيسةَ حقًّا طبيعيًّا يجعلهم يتزوَّدونَ من اللذَّات ما استطاعوا. تغييبُ اللهِ أوجدَ أنظمةً ومجموعاتٍ مدنيَّةً ودينيةً، وعسكريَّة أحيانًا، تدَّعي الكمالَ وامتلاكَ الحقيقة كلَّها، وتناديك: كُنْ أخي، وإلاَّ قتلتُكَ.

إنَّها قوَّةٌ قادرةٌ على إقناع كثيرين أنَّ العالمَ الأفضلَ هو عالمٌ بلا دينٍ، مستعينةٌ في ذلك على ما تنتجهُ نقائصُ منسوبةٌ إلى دينٍ أو إلى بعضِ المتديِّنين، وأولئك الذين كفَّروا غيرَهم خاصَّةً باسم الدين. هذه العقيدةُ المريضةُ، أصابت بعدواها كلَّ مَن لم يتحصَّنْ ضدَّها، فصارَ الفردُ أحيانًا نظامًا قائمًا في ذاتِه لا يُصلحُ ما ظنَّهُ منك فسادًا، بَدَلَ أن يلغيك. إنَّها قوَّةٌ تؤمنُ أنَّ الدينَ والهيكليةَ أو المؤسَّسةَ مُتناقضانِ لا يجوزُ جمعُهما. فلكلِّ فردٍ دينهُ، هو يحدِّدُهُ كما يريدُ، ويلغيه ساعةَ ما يشاءُ. دينٌ لا مكانَ فيه لإلهٍ واحدٍ يعبدهُ الجميعُ، بل لآلهةٍ على صورةِ تعدُديَّةِ الأفرادِ بدلاً من أفرادٍ على صورةِ وحدانيَّة اللهِ ومثالِهِ. هؤلاءِ يعتقدون أيضًا أنَّ العقلَ المتمدِّنَ والمتحضرَ لا يجبُ أن يلوِّثه صدأ دينٍ مُناهضٍ الحداثةَ. باختصارٍ، إنَّها قوَّةٌ تريدُ، بسوءِ نيِّةِ، أن تُخْرِجَ اللهَ من الإنسانِ ومن العالَمِ، على مثالِ قوَّةِ الله التي تريد، بِحُسْنِ نيَّةٍ، أن تطرد الشرَّ من الإنسانِ ومن العالمِ. لكنَّ القوَّةَ المُنتصرةَ فيَّ هي تلك التي أُناصِرها بحرِّيَّتي واختياري حتَّى أسمعَ صوتَهُ المُشتَهى يقولُ لي بحنانٍ لا مثيلَ له: إيمانُكَ! خلَّصَكَ، فامْضِ بسلامٍ.

مناصرةُ الله فيَّ، هي غايةُ الصومِ الأساسيَّةُ. أن أُناصِرَهُ، يعني أن أُعيدَهُ مَلِكًا على حياتي، أي على حرِّيَّتي وعقلي وإرادتي، وأن أُحبَّهُ من كلِّ قلبي وكلِّ نفسي وكلِّ ذهني وكلِّ قُدرتي، وأن أُحبَّ قريبي كنفسي (مرقس12: 30 و31).

لا يستقيمُ الصومُ عندي إلاَّ إذا أحببتُ. فإن أحببتُ اللهَ فوقَ كلِّ الأشياءِ، أُدركُ ما معنى أن ينكسرَ قلبي لكي ينتصرَ. ينكسرُ قلبي إذا تخلَّيتُ عمَّن وعمَّا أُحبُّ لكي أحبَّ اللهَ أكثرَ، فأستحقَّهُ. اللهُ لا يريدُ ألاَّ أحبَّ أحدًا غيرَهُ. هذا مستحيلٌ، لأنَّ اللهَ مَحَبَةٌ. هو يريدُني أن أُحبَّ أبي وأمِّي وإخوتي وأخواتي وبنيَّ وبناتي واقاربي وأصدقائي وحتَّى أعدائي. لأنِّي أحبُّهُ وأحبُّ على مِثالِهِ ومِن خِلالهِ. أن أُناصرَ اللهَ فيَّ، يعني أنْ أُحبَّ، وأن أعطيَ ما أقترضُهُ مِنَ الحبِّ.

مُناصرةُ اللهِ فيَّ، تعني أيضًا أن أجمعَ المتناقضاتِ: أن أجمعَ دفاعي عنِ الحقِّ مع عدمِ اكتراثي بما يقولُه الناسُ عنِّي. أن أجمعَ محبَّتي للهِ فوقَ كلِّ شيءٍ مَعَ كُرْهٍ أو اضطهادِ كثيرين لي ممَّن لا يشاطرونني هذه المحبَّةَ وهذا الإيمانَ. أن أجمعَ بين سعي للسلام واستعدادي الدائمِ بالتضحية بسلامي في سبيل سلامِ الآخرين. أجمعُ بين منفعةِ الامتناع عنِ الطعامِ ومضرَّةِ فهمي الخاطئ للصيام بأنَّه مجرَّدُ امتناعٍ عَنِ الطعامِ. أَوَليسَ الهدفُ الأهمُّ أن يكون امتناعيَ عنِ الطعامِ سبيلاً لادِّخارِ ما يساعدني على إطعامِ الجائعِ والفقيرِ؟

إذا عرفتَ معنى الصيامِ، يتعذَّرُ عليك أن تقولَ: كُن أخي وإلاَّ قتلتُكَ. كُن مِثلي وإلاَّ ألغيتكَ. فكِّر مثلي، وإلاَّ قاصَصْتُك. آمِنْ مثلي، وإلاَّ كفَّرتُكَ. أطِعْني، وإلاَّ نبذْتُكُ. أحبِبْني، وإلاَّ كَرِهتُكَ. طاوعني، وإلاَّ كسرتُكَ وشهَّرتُ بكَ.

الصومُ يُفْهِمُكَ أنَّك للهِ مع الآخَرِ، وأنَّك لن تُدرِكَ اللهَ وحدَكَ. الآخَرُ هو دليلُكَ في دروبِ الرحلةِ نحوَ الله. هو نورُ طريقِك الذي من دونِهِ تضلُّ وتضيعُ. وهلْ بإمكانك أن تكونَ سامريًّا صالِحًا إذا لم يكُنْ لكَ قريبٌ مجروحٌ، تصنعُ إليه الرحمةَ! عندما تناصرُ اللهَ فيك، وأنتَ لا تراهُ، ينتصرُ بك ومعك قريبُك الذي تراهُ.

إذا كان صومُنا مُناصرًا اللهَ فينا، فَسَنشهدُ دونَ أيِّ شكٍّ انتصارَ الفرحِ على الحزن في زمنٍ لا تستطيعُ حروبٌ ولا جوعٌ ولا فقرٌ ولا أمراضٌ قَتلَ الإنسانِ بقَدرِ ما يقتلُهُ الحزنُ. لو قُدِّرَ لي لأعفيتُ نفسي وأعفيتُك من صومِك مُقابلَ إنقاذِ نفسٍ واحدةٍ من آفاتِ الحزن واليأس، وفقدان الإيمان والرجاءِ والأملِ. ما يُؤسَفُ لهُ غالبًا: المقدرةُ على نشرِ عدوى الحزنِ، وعجزِنا عن نشرِ أجنحةِ الفرح! الصومُ ليس مُرادفًا للحزنِ كما يُظنُّ. إنَّه موسمُ الفرحِ والابتهاجِ بامتيازٍ. لأنَّنا بالصوم نعيش فرحَ الإنجيلِ كما فصَّلهُ بجدارةٍ فريدةٍ قداسةُ البابا فرنسيس في إرشاده الرسوليِّ لمناسبة اختتام سنةِ الإيمان 2013.

مناصرةُ اللهِ فيَّ في زَمَنِ الصومِ، تعني لنا نحنُ المؤمنينَ أن نتنافسَ في التبشير بالمَثَلِ والقولِ. الكنيسةُ ليست مكانًا نتنافسُ فيه على منصبٍ أو نجْتني منه مَجْدًا باطِلاً زائلاً. هنا! لا يوجدُ مكانٌ للتنافسِ على نيلِ سلطةٍ أو رئاسةِ. فالمكانُ ليس إلاَّ مكانَ خدمَةٍ. الصومُ، يعلِّمنا، إكليروسًا وعلمانيِّين، أنَّ الأوَّلين يصيرون آخرين بغضِّ النظرِ عن عددِ إنجازاتِهم المتنوِعةِ وعَظَمتِها. الإنجازُ الأهمُّ هو تواضعُك وتقواكَ. نحن ننجزُ عندما نتواضعُ، فيظهرُ اللهُ فينا. اللهُ لا يعملُ من خلالِ المتكبرين.

إنَّ أحدَ جراحِ الكنيسةِ هو رؤيةُ مَن يقيسونَ نجاحَ الخدمةِ من خلالِ عَدَدِ المشاريعِ والإنجازاتِ والنشاطاتِ، بينما يعبرونَ قُرْبَ النفوسِ التي تكادُ تهْلكُ، فينظرونَ إليها ويجوزونَ. لو جُمِعَتْ كميَّةُ الطاقةِ التي تُهدر في الكنيسةِ بسببِ التنافسِ السلبيِّ، ووُظِّفَتْ في الخدمةِ، لكانت كلُّ كنيسةٍ على الأرضِ سماءً مُسبقةً. فلنتنافس حقًّا في بناءِ جَسَدِ المسيحِ، لا في تقويضهِ.

في الختامِ، أُسلِّمُ ذاتي وأبرشيَّتي لشفاعةِ أمِّ اللهِ الفائقةِ القداسةِ والدائمةِ البتوليَّةِ مريمَ وحمايتِها، طالبًا أن تحفظَ كندا، وشرقَنا العزيزَ، سوريةَ ولبنانَ والعراقَ ومصرَ وفلسطينَ خاصَّةً من كلِّ مَضَرَّةٍ وتعيدُ إلينا السلامَ، وأن تمطِرَ أبرشيَّتنا الكنديَّةَ ببركاتِ ابنِها المخلِّصِ، يسوعٍ المسيحِ.  هلليلويا

كاميليا ووفاء حجة "داعش" لاراقة دماء 21 قبطياً

“هذه الدماء النجسة بعض ما ينتظركم ثأراً لكاميليا وأخواتها”، عبارة ركز عليها “داعش” في الفيديو الدموي الأخير، فأدخلت “كميليا شحاتة وأخواتها” وعلى رأسهن وفاء قسطنطين التاريخ… ذلك ان الانتقام لهن كلّف أرواح 21 قبطياً حتى الساعة، والآتي أعظم بحسب الوعيد. “الدولة الإسلامية” نصّبت نفسها “السند المتين” للمسلمين وهي تأبى أن يضطهد رعاياها من قبل “الضالين”، لذلك ستحزّ السكين رقاب كلّ من سوّلت له نفسه وعذّب “المؤمنين”، كما جاء في فصول الفيديو المرعب.

رسالة من المسيحيين والمسلمين الى الحكومة في الفلبين: لا تتخلوا عن السلام!

إنّ على حكومة الفلبين ألاّ تتخلى عن عملية السلام في جنوب الفلبين تفاديًا لتكرار المعركة التي استمرت 12 ساعة في بلدة ماسابانو، هذا كان نداء المسؤولين الدينيين المسيحيين والمسلمين كما أتى في الوثيقة المشتركة التي أرسلت الى وكالة فيدس. وذُكر من بين الموقعين الكاردينال أورلندو كيفيدو والعديد من الأساقفة الكاثوليك والبروتستانت في جزيرة مينداناو بالإضافة الى ممثلين دينيين عن الإسلام تشاركوا معًا الالتزام من أجل تحقيق السلام في مينداناو.

الكاردينال بارولين عن موت الأقباط المصريين: "هبنا يا رب نعمة أن نموت على مثالهم"

عبّر الكاردينال بيترو بارولين عن رأيه في ما خص الأحداث التي تضرب ليبيا داعيًا الى التدخّل العسكري ضمن إطار القانون الدولي وتحت ظل الأمم المتحدة وذلك من خلال إعادة إطلاق المبادرات الديبلوماسية حيث تقوم السلطات بالتحكم بقطاعات مختلفة من البلاد.