سأعطي ما قاله الآباء القدّيسين . وأيضا ما يقولوه المفسّرون واللاهوتيّون . أوّلا وقبل كلّ شيء ٍ ، يقول النصّ : ” .. وتبعه شابّ يستر عريه بإزار ، فأمسكوه . فتخلّى عن الازار وهرب عريانا ..” ؛ النصّ ، كما هو واضحٌ ، يقول بأنّ هذا الشابّ ” تبعَ ” يسوع . يقول الأب بيير بنوا الدومنيكيّ : ” .. يُخيّل إلينا أنّ هذا التفصيل اختُرع لإتمام نصّ من الأسفار المقدّسة – وينبغي البحث جيّدا للعثور على توافق ! – وهو من النبيّ عاموس ( 2 : 16 ) الذي يصف الارتباك وقت العقاب الإلهيّ : ” والشديد القلب بين الأبطال يفرّ عريانا في ذلك اليوم ” ، أي من دون سلاح ولا أمتعة … هكذا يبدو أن تطبيق هذا النصّ دفع إلى إبتكار هذه القصّة ! إلاّ أنّ هذا التفسير (يقول الأب بنوا ) ، مع كونه مبتكرًا ، يبدو مصطنعا . فالأجدر بنا أن نعتبر الحدث واقعيّا .
زعمَ إبيفانوس ، أنّ هذا الشابّ كان يعقوب حلفا أخا الربّ ، إلاّ أنّ هذا كان وقتئذ شيخا لا شابّا . وقال المؤرّخ بيدا القدّيس يوحنا فمُ الذهب ، إنه كان يوحنّا الإنجيليّ ، ولا يصدّق أنّ هذا الشابّ كان من الرسل ، لقول مرقس السابق : حينئذ ٍ تركه تلاميذه أي رسله . ولا يصدّق أنه يوحنا ، خاصّة لأن يوحنّا نفسه روى في 18 : 15 أنه رافق يسوع إلى بيت عظيم الكهنة ، واستأذن لبطرس بالدخول . وقال تاوفيلكتوس وأوتيموس ، أنه كان واحدًا من بيت يوحنّا مرقس ، حيث أكل المسيح الفصح . وقال غايطانوس وغيره ، أنه كان ابن البستانيّ أو خادمه حيث صلّى المسيح ، وكان نائمـــًا في البستان ، ولمـــّا سمع الضوضاء التفّ بإزاره واتبعه ، لأنه كان مؤمنا به ، فأمسكه الجنود فخلّف إزاره بيدهم وفرّ عريانا .
” لماذا أدرجَ هذا الحدث هنا ؟ يقول أكثريّة المفسّرين ، أنه كان القدّيس مرقس الذي يروي ذكرى شخصيّة : وكأنّ هذا هو ” توقيعه ” ! . وبعين الطريقة ، قد يكون القدّيس متى وقّع على إنجيله حيث تحدّث عن ” كاتب تتلمذ لملكوت السماوات …. يُخرج من كنزه كلّ جديد وقديم ” (متى 13 : 52 ) . لكن ، كيف يمكن أن يكون مرقس في بستان الجتسمانيّة ؟ لا يمكننا أن نتخيّل ذلك دون أن ننزلقَ قليلا في المستوى الروائيّ .
هناك مؤلف إنكليزي (الأب ل . نولّ 1947 ) ، يقول: تكون أسرة مرقس هي التي تملك العليّة وبستان الزيتون . فبعد العشاء ، كان في البيت كثيرٌ من الناس حتى اضطرّ بعضهم إلى النوم في بستان الزيتون . وكان الرجال مع يسوع وتلاميذه قد ذهبوا ليقضوا الليلة ؛ وقد يكون الصبيّ مرقس قد رافقهم ، وله من العمر ما بين 12 – 14 سنة . وقد نام في زاوية ، ملتفّا بشرشف ٍ . وعلى ضجّة العصابة ، استيقظ وتبصّر وهبّ ليرى ما يحدث . وإذ أرادوا أن يطعنوه ، هو أيضا ، إلا أنه فضّل أن يترك الشرسف بيد الجنود ويهرب عريانا ! .
ويقول الأب ماري – اميل بوامار أيضا : أنّ هذا الشابّ يرمزُ ليسوع الذي كان قد دُفنَ في ” ازار ” ، وهو ذاته الذي سيتراءى للنسوة صبيحة الفصح : فالأمر يتعلّق بشابّ وليس بملاك ، كما هي الحال في متى ولوقا . ويوضح مرقس هنا بأنهم ” أمسكوا ” هذا الشابّ ، بينما أهمل استخدام هذه الإشارة بالنسبة إلى يسوع في الآية 53 . فيسوع يترك هنا ” الازار ” ، رمز الموت ، ويهربُ عريانا ، ولكنه سيتراءى للنسوة مرتديا ثياب الظفر ، ” ذلك الثوب الأبيض ” الذي يرتديه الناهضونَ (رؤ 6 : 11 ؛ 7 : 9 – 13 ) . إنّ مرقس ، بحسب الأب ماري بوامار ، يبشّر القارئ بقيامة المسيح . رمزيّة جميلة !
“جاء في نص منسوب للقديس جيروم: كما ترك يوسف ثوبه وهرب عريانًا من المرأة الزانية ، ليت من يريد الهروب من أيدي الأشرار ينزع من فكرة كل شيء ويهرب وراء المسيح “.