لويجي
*
مقدمة
سؤلك يلمس جوهر إيماننا لأنه يتعلق بالسر الفصحي، وذلك في بعده الأكثر صعوبة للفهم: آلام وموت المسيح. اسمح لي أن أعبر عن تقديري لتساؤلك، فما يُدهشني هو أن تلاميذ اللاهوت، عندما أطرح عليهم السؤال خلال دروس الكريستولوجيا، يُظهرون لي أنهم لم يتساءلوا أبدًا عن هذا الشأن.
المسألة واسعة جدًا، وقد تطرق لها لاهوتيون كبار في دراسات واسعة. في إطار “سؤال وجواب عالطاير” سننظر إلى المسألة من خلال طرح سؤالين: هل اختار المسيح الصليب؟ هل اختار المسيح العنف؟
هل اختار المسيح الصليب؟
هناك من يطرح السؤال بشكل قاسٍ: لماذا أراد الله الآب أن يتألم يسوع بهذا الشكل؟ أجيب طارح السؤال بهذا الشكل: يا عزيزي، إذا لم يكن هناك بشر يصلبون المسيح، أؤكد لك أن الآب السماوي لم يكن لينزل على الأرض ليصلب ابنه! من خلال هذا الجواب أدعو السامع لكي ينظر في البعد التاريخي الذي يرافق البعد اللاهوتي، فالقراءة المعزولة أكانت لاهوتية فقط أو تاريخية فقط تفتقر قسرًا إلى البعد الآخر وتؤدي بالتالي إلى فهم مجزوء.
ولذا أجيب: لم يختر المسيح الصليب مباشرة، كما ولم يختر الآب الصليب مباشرة. ماذا اختاروا إذًا؟ اختار هبة الذات الكاملة وغير المشروطة للإنسان والبشرية. هذه الهبة مربوطة بخلقنا: فقد خلقنا الله حبًا وهو يعيد خلقنا في الفداء حبًا.
اللغة الكتابية التي تعبّر عن هذه الهبة ليست لغة الآلام، بل لغة “التسليم” (tradere – paradidonai).
– فالابن يُسلّم – من قِبل الآب – حبًا ولأجل خلاصنا. “هكذا أحب الله العالم حتى إنه سلّم ابنه الوحيد حتى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو 3، 16).
– الابن يُسلِّم نفسه بحرية: “أبتِ بين يديك أسلمّ روحي” (لو 23، 46).
– هذين “التسليمين” هما الأساس وكل تسليم آخر (مثل تسليم يهوذا، اليهود، الرومانيين، بيلاطس، هيرودس…) كل هذه هي “ثانوية” لأن الآب والابن وهبا كل شيء قبل أي خيانة أو تسليم آخر.
أما معنى التسليم فهو حب الله الجنوني للإنسان. لقد فهم هذا بولس عندما كتب: “أحبني ووهب ذاته لأجلي” (غلا 2، 20).
وعليه فإن الصليب لم يقبله المسيح بحثًا عن الألم، بل تعبيرًا عن أمانته اللامشروطة والتي لم يتراجع عنها مع رفضنا وانغلاقنا على حبه.
هل اختار المسيح العنف؟
ما سبق وقلناه يتضمن الجواب: كلا. ولكن فلنتعمق أكثر.
يشرح الباحث والفيلسوف رينيه جيرار أن العنف هو في صلب الأديان العالمية والتاريخية وأن هناك ترابط وثيق بين ما هو مقدس وبين العنف والأضاحي هي التعبير الأكبر عن هذا الترابط.
في المسيح، هذا العنف يُفرغ ويُغلب من خلال لاعنف المسيح. في قبوله للموت طيعًا ووديعًا، يُطفئ المسيح نار العنف. في المسيح الله يبين لنا أنه لا يريد العنف على الإطلاق، ويُظهر هذا في عدم إجابته على العنف بالعنف، بل بكلمة الغفران. “يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون” (لو 23، 34).
الله لا يريد العنف، فهو وهبنا المسيح الذي هو “سلامنا، هو الذي جعل الاثنين واحدًا، وحطم سور العداوة، في جسده” (أف 2، 14).