عظة سيادة المطران ميشال قصارجي يوم سبت النور في 4/4/2015 "النور يُشرقُ في الظلمات!" (يوحنا 1/5)

أصحاب السيادة السامي وقارُهم

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الكهتة الأجلاّء والراهبات الفاضلات

أيُها الإخوة والأخوات

          في هذا اليوم العظيم المقدس، عيدِ الأعياد وموسمِ المواسم، تغمرُ صلاةَ الكنيسة موجةٌ من الفرح والحبور بقيامة الربّ، وتسمو بها الى نشوةٍ روحيةٍ تجعلنا نتذوّق الى حدّ ٍ ما افراح نعيم السماء.

قيامةُ المسيح أساسُ ايماننا ورجائنا الوطيد لأنها دليلُ خلاصنا وعربونُ قيامتنا، وقد قال بولسُ الرسولُ:”إن كان المسيحُ لم يقم فإيمانُكم باطلٌ، وأنتم بعدُ في خطاياكم… وإن كان رجاؤنا في المسيح في هذه الحياة فقط،  فنحنُ اشقى الناس أجمعين.” (1 كورنثوس 15: 17 و 19).

لقد غلبَ المسيحُ الخطيئة إذ نال لنا نعمة غفرانٍ أبديّ ٍ وغلب الموتَ، لأنَّ الموت لم يعُد بالنسبة لنا نحن المخلّصين نهاية كل شيء، بل أصبح بدء حياة جديدةٍ حقيقيةٍ أبديةٍ. بقيامة الربِّ، غدا كلُ شيءٍ في الحياةٍ جميلاً ذا قيمةٍ أبديةٍ، وما عاد يضيعُ شيءٌ مما نفعلُه أو نتحملُّه مع المخلّص.  فبقيامةِ المسيح تَجَدَّد كلُ شيءٍ وتصالحنا مع الله وأصبحنا أبناءه وورثته، ونلنا عربون ميراثنا العتيد بحياة النعمة الإلهية التي نعيشُها على نور الإيمان في هذه الحياة الدُنيا، بانتظار الحياة الاخرى.

أيُّها الأحباءُ،

في هذا اليوم الذي تنبلجُ منه أنوارُ القيامة الخلاصيّة، نحيي ذكرى الشهداء الأبرار الذين سقطوا على مذبح إيمانهم بالناهض من الرَّمس في اليوم الثالث فاستحقّوا منه أكاليل المجد والظفر. لقد اختبر اؤلئك الأبطالُ شعور الحبّ الأقصى على مثالِ معلّمهم الإلهي، ففاضت أرواحُهم الطاهرة وسكبوا دماءهم الشذيّةُ العَرف لترتوي منها أرضُ العراقِ وسوريا ولبنان ومصر، فتنمو بذارُ الإيمان وتكبُر وتتجذّرُ الأصولُ في التربة الطيّبة وتثمر رجاءً ومحبّةً وتمسُّكاً بوديعة الآباء والأجداد.

أجل،  وللأسف فضّل كثيرون الظلمة على النور وأُدينوا بأعمالهم. هذا ما أدركه يوحنا الرسولُ الحبيبُ القائلُ:”وإنما الدينونةُ هي أنَّ النور جاء الى العالم ففضّل الناسُ الظلام على النور لأنَّ أعمالهم كانت سيّئة” (يو 19:3)

الأفظعُ من ذلك أيُها الإخوة، أنَّ الذين يرفعون لواء الظلمة الأسود يظنّونه شعار النور ومشكاةَ الحقّ والهدى ويَدخلون ومن معهم في غياهب  وثنيّةٍ جديدةٍ مخيفةٍ.

الذّين فضّلوا الظُلمة على النور ليسوا اتباع التطرُّف الدينّي التكفيري فحسب ولا دولَ القرارِ التي تواكبُهم وتُعبّد لهُم الطُرُق المؤدّية الى مصالحها الخاصّة فقط… اتباعُ الظلمة هم الذين يتغاضَون أيضاً عن صيانة حقوق الإنسان وكرامته والمدافعة عن أبسطِ مبادىء التمدُّن والرقيّ التي تنادي بها أُمَمُ العالم بأسرهِ في المحافل الكونية ولا تحاول العمل بها إلاّ بين صفوف أبناء قومها وناسها… وهذه علامةٌ أخرى تشيرُ الى الطبقيّة وعدم المساواة الإجتماعية وقمعِ الحُرّيات الفكرية والدينيّة التي ما زالت تُرخي بظلالها على كوكب الأرض بالرغم من كل التطوّر العلميّ والتقنيّ المزعوم!

أيُها المباركون،

يستمرُّ مسلسلُ تهجير المسيحيين من العراق وسوريا ومصر، على منوالٍ سريعٍ ونشهد يوميّاً على تدمير كنائسَ ومعالمَ تاريخيةٍ وثقافيةٍ لا تخصُّ العراق وسوريا ومصر وغيرها فحسب بل الحضارةَ العالمية أيضاً، وذوو الشأنِ والنفوذِ في صمتٍ مُخجلٍ ومُحزنٍ ومؤسف نقول: اننا كمسيحيين في هذا الشرق سنبقىى وسط العواصف والمحن والمصاعب, سنبقى ونستمر- أجراس كنائسنا لن تهدأ ولن تسكت ولن تستكين, وستبقى دوما مبشرة بالقيامة.

 للأسف سيستمرُّ مسلسلُ وصولِ الأعداد الغفيرةِ من اللاجئين العراقيين والسوريين الى لبنان يومياً وهم في حاجةٍ الى كل شيءٍ دون أي استثناءٍ، وهم ممنوعون من العمل ولا يتمتّعون بأدنى مقوّمات الرعاية الصحيّة والتربويّة بل يشكون من استغلالهم لا سيّما لجهة الإيجارات المرتفعة وعدم إيفائهم لحقوقهم حينما يحالفهم الحظُّ ويعملون كأجراءَ لدى احدهم… وقد بلغ عددُ العائلات اللاجئة الى لبنان الى اكثر من 3 الاف والعدد في ازدياد مستمر يوميا…

إننا فرحون بإضاءة شمعة الفصح مع اخوتنا أصحاب السيادة والكهنة والفعاليّات الحزبيّة والسياسيّة المختلفة، سعيدون بأن نلتقي مع إخوتنا المهجّرين العراقيين في لبنان لنقول معهم ولهم إنَّ نور المسيح الناهضِ من القبر يشعُّ في حياتكم وقد حملتم إلينا إيمانكم الراسخ وشهادتكم الحيّة فكنتم لنا خيرَ شهودٍ للقيامة، خيرَ شهودٍ على انتصار الحياة على الموت.

إننا نطالب مراكز القرار في العالم بأسره، نطالب الدولة اللبنانية بوزاراتها المعنيّة ونناشد جميع الكنائس والمؤسسات المانحة وذوي النوايا الحسنة… أن يستمروا  بمساعدة الآلاف من المهجرين العراقيين والسوريين في لبنان.

أيُّها الإخوة والأخوات،

“من لا يحبُّ أخاهُ يبقى في الموت”(1 يوحنا 14:3)، فلنخرُج الى النور ولنُحبَّ بعضُنا بعضاً ونخدُم بعضُنا بعضاً. نحن أبناء القيامة نرفض اليأس والموت, نرفض الاستسلام والخوف , نرفض الخضوع والهرب. مسيحنا انتصر على الموت وعلى التخلُّف, ونحن على يقين بأننا سننتصر والحجر سيُدَحرَج والحق سيعود.

نشكرُ جميع الذين اشتركوا معنا في هذه الذبيحة الإلهية، دعاؤنا نرفعه لأجل السلامِ في العالم كُلّه لا سيّما في لبنان وسوريا والعراقِ ومصر وفلسطين وعلينا جميعاً بركاتُ الناهض من بين الأموات له المجدُ مع ابيه وروحه الحي القدوس الى الأبد.

وكل عام وأنتم بخير!

المسيح قام!

 حقاً قام!

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير