1. يسعدنا أن نحتفل معًا بعيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات. وبقيامته زرع السلام والرجاء في القلوب ونشره في العالم بواسطة الكنيسة وكلّ ذوي الإرادات الحسنة. وسلَّمنا إيّاه عطية من السماء لكي نوطّده في الأرض وبين الشعوب.
ولذا تحتفل ليتورجيّتنا المارونيّة في أحد القيامة برتبة السلام. نرفع الصليب من القبر، حيث دُفن يوم الجمعة العظيمة في رتبة السجدة. نحمله وعليه شارةٌ بيضاء، علامةً للنصر على الموت والألم والخطيئة. ونطوف به وسط الجماعة ليكرّمه المؤمنون والمؤمنات، ويتبرّكوا به. ونختم الزياح بالبركة بالصليب ثلاثًا معلنين سلام المسيح في أربع جهات الأرض. فصليبه المنتصر والمؤدّي إلى القيامة هو “ينبوع الأمان ومعين السلام وكنز الغنى العظيم” كما سنصلّي.
2. “تطلبن يسوع المصلوب؟ لقد قام“. المصلوب يوم الجمعة هو القائم فجر الأحد. الجسد الذي صُلب هو إيّاه قام ممجّدًا. مات يسوع التاريخي على الصليب، وقام يسوع السرّي، أي الكنيسة. وقد سبق وشبّه هذا السرّ “بحبّة القمح” التي، إذا ماتت في الأرض، أعطت سنبلة (راجع يو12: 24).
في يوم الجمعة، تمّم يسوع ابن الله فداء الجنس البشري غاسلاً خطايا البشر بدمه المراق على الصليب. فكان يومُ التحوّل الأكبر في تاريخ الكون والإنسان. وفي يوم الأحد، حقَّق المسيح تقديس جميع الناس، وجمعهم إلى واحد، القريبين والبعيدين، ونقض كلَّ جدران الانقسامات بين الناس، وزرع الطمأنينة والسلام في النفوس والقلوب. إنّه السلام الفصحيّ، السلام الذي “يعبر” بالإنسان والمجتمع والدولة من حالة اضطراب واهتزاز ونزاع وفاقة وحرب، إلى حالة طمأنينة واستقرار ومصالحة واكتفاء وأمان.
3. هذا السلام الفصحيّ استودعنا إياه المسيح (يو14: 27). هو سلامه، بل المسيح هو سلامنا(أف 3: 14). إستودعنا إياه لكي نحافظ عليه، ونبنيَه كلّ يوم. لقد جعله صفة أساسيّة من صفات الذين، بالمعمودية والميرون، أصبحوا أبناء الله وبناته. “طوبى لصانعي السلام، فإنهم أبناء الله يدعون”(متى 5: 8). ينبغي أن يكون صنعُ السلام شغلنا الأول واليومي في العائلة والمجتمع، وفي الكنيسة والدولة. فلا يكون مجرّد كلمة، بل يكون سلامًا مؤسَّسًا على الحقيقة، مبنيًّا بالعدالة، مكمَّلاً بالمحبّة، وموضوعًا حيّز العمل بالحريّة (القديس البابا يوحنا الثالث، السلام في الأرض، 89).
4. لا يوجد سلام حيث تُنكر الحقيقة، ولا حيث تُنتهك العدالة، ولا حيث تنتفي المحبة، ولا حيث تُقيَّد الحريّة. هذه هي معاناتنا في لبنان من جرّاء فقدان السلام على المستوى السياسيّ، وقد بلغت ذروتها في عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة، وفي الانقسام السياسيّ الحادّ بين فريقين شطرا البلاد إلى اثنين وعطّلا كل قيمةٍ للمجتمع المدني الذي، وهو الأكثرية الساحقة، لا ينتمي إلى أي منهما، وقد سئم هذا الانشطار.
وهي معاناتنا على الصعيد الاقتصادي، حيث أصبح ثلث الشعب اللبناني تحت خط الفقر، ما يعني مليونًا ونصف المليون من اللبنانيين، ويوازي عدد النازحين السوريّين الذين يحتاجون إلى كلّ شيء، وبهذا العدد ازداد السكان على الأرض اللبنانية ثلاثين بالمئة. هذا فضلاً عن المشاكل الاجتماعية والمعيشيّة والأمنية التي تزداد يومًا بعد يوم، وعن آفة الهجرة التي تحرم الوطن خيرة قواه الحيّة.
5. ولا ننسى معاناة شعوبنا في الأراضي المقدّسة والعراق وسوريا واليمن. ونستصرخ ضمير المسؤولين في الدول العربية والأجنبية أن تعمل بجدّية على إيقاف الحروب المشتعلة، بالكفّ أولاً عن دعم المتقاتلين بالسلاح والمال والمرتزقة، وبإيجاد الحلول السلميّة التي تؤدّي إلى سلام عادل وشامل ودائم. وندعوهم ليعملوا بجدّية على إعادة النازحين إلى بيوتهم وأراضيهم موفوري الكرامة بحكم مواطَنتهم.
6. إننا نلتمس لنا ولهم جميعًا سلامَ المسيح، لكي يكون أولاً سلامًا مع الله بالعودة إليه وإلى كلامه الهادي ونعمته الشافية، وبالتالي سلامًا مع ذواتنا وفي داخلنا، يكون سلامًا منسجمًا مع واجباتنا ومسؤوليّاتنا الحاليّة،ومع هويّتنا المسيحيّة ورسالتنا، لكي نستطيع أن نصنعه في عائلتنا ومجتمعنا، وكنيستنا ووطننا.
بهذا الدعاء أُقدّم لكم جميعًا أحرّ التهاني والتمنيّات بعيد القيامة، راجين أن يكون بداية عهد جديد في حياتنا، لمجد الله الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
المسيح قام ! حقًّا قام !