ZENIT

ZENIT

العنف في الكتاب المقدّس – 3

حين لا يتسلّط على الحيوانات ، أفتكونُ الحيوانات هي التي قد تتسلّط عليه ؟!

Share this Entry

إن التدبير الإلهيّ يـــُعلَن عنه بلفظ ” تسلّط ” ، والتنفيذ يُكلّل بالإعلان عن أنّ هذا المخطّط قد نـــُفّذ : فإنّ الإحاطة بموضوع الحيوان تعبّر عن هذه الرسالة . إليكم هذا التفسير :

إنّ حقيقة صورة الله البشريّة تتمّ في الفرق بين الإنسان والحيوانات . فحين ” يتسلّط ” الإنسان على الحيوانات ، يكون على صورة الله ، لأنه ينال القدرة على ذلك بفضل قوّة البركة الفعّالة ، تلك القوّة التي تكمنُ في  ” الكلمة ” – كلمة الله . فالكلام لا يدور في وظيفة تشبه الوظائف التي تنتج عن أعضاء جسمه (النظر والتنفّس والتناسل) والتي يتقاسمها مع الحيوانات (لأنها أيضا ” ذكر وانثى ” ) . فإنّ وظيفة التسلّط هذه ، التي يحصل عليها بفضل ” الكلمة الإلهيّة ” ، والتي هي من نظام آخر ، ستمارَس عن طريق ” الكلمة البشريّة : لا يخفى على أحد أنّ بسط السلطة على الحيوانات يفترضُ التكلّم إليها . ( قد نستطيع أن نقول هنا ، في أنّ يسوع المسيح ، بموته على الصليبْ ، كشف صورة الإنسان الحقيقية التي هي صورة الله ، وقضى على الصورة البهيميّة البشعة التي في الإنسانيّة محوّلا إيّاها إلى صورة الكلمة الإلهيّة  ، ومنها ” قضى على دوّامة العنف الجهنّمية التي في داخل الإنسان ) .

حين لا يتسلّط على الحيوانات ، ويا للأسف ، أفتكونُ الحيوانات هي التي قد تتسلّط عليه ؟!

لنترك جانبًا ، للحظة من الزمن ، هذه المسألة . ولا ننسَ الآيات التالية : ” ها قد أعطيتكم كلّ عشب … وكلّ شعير … يكون لكم طعاما . ولجميع الوحوش أعطيتُ كلّ عشب ٍ أخضر ” ( تك 1 : 29). ما أشدّ الإيجاز للقول بأنّ الإنسان لن يَقتل! وبأنّ الحيوان لم يقتل . لأن النظام الغذائيّ المشترك بين الإنسان و ” رعاياه ” الحيوانات هي التغذية النباتيّة . يا لها من رسالة خجولة ، حتى إنها خفيت عن البصر في أغلب الأحيان . ومع ذلك ، فإنّ هذه المسألة هي مسألة ” العنف ” التي تظهر منذ الرواية الآولى لخلق العالم . وهي تتظاهر بقدرة على بسط ٍ للسلطة توصف بأنها غير عنيفة في الكلمة العاشرة من كلمات خلق العالم ، وهذا ما يُضفي عليها صبغة رسميّة نجدها في الكلمات التسع التي سبقت .

من تكوين 1 إلى تكوين 9 : مرحلتان للعنف …

الملاحظة التي سجّلناها في تكوين 1 : 29 ، كانت وجيزة جدا ، فمن الطبيعيّ أن نبحث عمّا يؤكّدها . نذكّر هنا بما لآدم من صلة بالحيوانات ، وبما لقاين من صلة بالحيوان ” الرابض ” ، وبما لنوح من صلة بالحيوانات المخلوقة كلّها حين جمعها .

وفي تكوين 10 : 9 ، يُعتَبر نمرود ، الذي من بلاد ما بين النهرين ، أوّل جبابرة التاريخ ، بصفته يرمز مباشرة إلى صلته بالحيوانات : ” وكان صيّادا جبّارا أمام الربّ ” . على كلّ حال ، فإننا لا نجدُ تثبيتــــــًا لما نبحث عنه إلاّ في تابع النصّ الكهنوتيّ .

فإنّ ذلك النصّ يروي ، بعد طوفان ، تدشين بداية جديدة ( تك 9) ، مرسّمة على الآولى (تك 1 ) . وفي خلفيّة المرسّمة ، تبرزُ التغييرات التي دخلت على النظام الآتي بعد الطوفان بوضوح شديد .  فإنّ الله يبارك آدم الجديد (نوح) ، في جزء ٍ من الألفاظ التي قرأناها في آدم الآوّل : فالمقصود هو بداية جديدة ، ولكن جزئيّا فقط ، لأن الكلام ما زال يتناول التسلّط على الحيوانات ، ولكن بروح وبطريقة معاكسة : ” إنّ خوفكم وذعركم يكونان على جميع الحيوانات ” (تك 9 : 2) . والحال أنّ نظام العنف هذا يغيّر إلى نظام غذائيّ ، والنظام بالمعنى السياسيّ والنظام بالمعنى الغذائيّ يتطابقان . فإنّ تك 9 : 3 يتضمّن تذكيرًا مقصودًا بـــ تك 1 : 29 . لكنّ الله ، في هذه المرّة ، يعطي الحيوان للإنسان غذاءً ، أو ، بعبارة أخرى ، غنيمة . لا نستغرب إذا ” خوف ” الحيوان من الإنسان .

يتبع

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير