لا زلنا في الموضوع الذي رأيناه سابقا : ” الصورة الإلهيّة كَرِفق ، والصنم كعُنف . وذكرنا في الحلقة الخامسة ، بأنّ عالم الحيوان هو عالمُ الكثرة . فإنطلاقا من الصورة إلى الواقع ، نذكر أنّ الحيوان ليس هو عنيفــــــــًا ولا قاسيــــًا . لا يظهر العنف إلاّ حين يتدخّل الإنسان ، لأنّ العنف والقساوة هما حقائق الروح . فإنّ الإنسان ” يـــُسقط ” عنفه على الحيوان .
إنّ عالم الحيوان ، بسبب الكثرة التي تؤلّفه والتي تقسّمه ، يرمز إلى ما عند الإنسان من وجوه مفكّكة تقبل إمّا أن تــُصالَح وإمّا أن تنفجر إلى نزاعات . فإن كلّ الحيوانات تُظهر للإنسان وجها من كيانه : قوّة وجمالا وسرعة ومتانة وخصب … وإذا أراد الإنسان أن يقبض على نفسه ، فإنه لا يقبض إلاّ على ما يُقبَض – لا على نفسه ، بل على جزء من نفسه .
إنّ عنف ” رفض الله ” ، وخوف الإنسان من عجزه عن القبض على نفسه ، يرتدّان إلى توظيف مفرط ، تركيزا على القوّة وعلى الخصب وعلى السرعة وعلى الإدراك وعلى الحدّة وعلى الأمام وعلى طول الحياة .. لكنّ ذلك التركيز يتمّ بإقصاء سائر الخصائص ، أي بالعنف . وهذا العنف يعبّر عنه في الوقائع : عبادة العقل استخفافا بسائر الصفات ، وكذلك ما يختصّ بالقوّة إلخ ، ويصبح الأمر عنف ” الذكيّ ” وعنف ” القويّ ” ، أو الخوف الذي يشعر به أحد الاثنين أمام الآخر . وهناك الإحتقار والخوف والتجنّب والظلم ويمكننا أن نعبّر عن ذلك فنقول بأنّ ” عبادة الأوثان ” هي نسيان الــ ” لا ” التي قالها آدم أمام كلّ من الأصناف الحيوانيّة ، حين أطلق عليها إسمًا . صبّ هارون تمثال عجل ، فصرخوا : ” هذه آلهتك ” (خروج 32 : 4 ) . إنه لعنف لا يصدّق أن يُطلَق على ما هو أدنى من الإنسان اسم ما يتجاوز الإنسان إلى أقصى درجة ! إن ّ هذا العنف هو الإرتداد (المنظور) للعنف (المكتوم عنّا ) في رفض الله. إن قلنا بأنّ الإنسان هو على صورة الله ، حين نبسط سلطتنا على الحيوانات ، نرسم بدقّة مأساويّة موضعه على خطّ ذروة يصعب علينا أن نحافظ عليه بين الألوهيّة والحيوانيّة .
فمن هنا الدور الذي يعبَّر عنه في المزمور 8 : ” عندما أرى سماءك … القمر والكواكب … ما الإنسان ؟ دون الإله حططته … كلّ شيء تحت قدميه جعلته ” .
ما هو هذا الشيء كلّه الذي يسيطر عليه الإنسان ؟ بحسب هذا المزمور ، هو ” عالم الحيوان ” دون سواه . يدور الكلام أحيانا على ” عموديّة ” صلة الإنسان بالله بحسب الكلام المقدّس . ولكن لا يجوز أن ننسى أنّ الخطّ العموديّ ينزل أيضا إلى الأدنى ، حتى الأسفل ! .
يتبع : في صورة الله ، العنف البشريّ