إنّ فصول التكوين الأولى ، هي مفتاح للقصّة التي تُروى أدناه . فإنّ فعاليّة ذلك المفتاح لا تنضبْ . سنحاول أن نعطي فكرة عنها .
في الترتيب التدرّجيّ ، نضع في الرأس ” البركة الإلهيّة ” في روايتها اللاحقة للطوفان : ” أنموا واكثروا واملأوا الأرض ، وخوفكم وذعركم يكونان على جميع الحيوانات ” (تك 9 : 1 ) . يبقى الإنسان على صورة الله ، حتى ولو أُذنَ له في القتل ، سافكا دم الحيوانات وجاعلا إيّاها تخافه ، وهذا ما له صلة صريحة بالعلاقات المتبادلة بين البشر (9 :6) . في هذا التغيير للّهجة ، وفي المسافة المعلنة التي تـــــُحفر في داخل مفهوم ” الصورة ” ، يُرسَم نور على مستقبل التاريخ الكتابيّ والبشريّ .
نحن مدعوّون ، بذلك التفسير الجرئ الجديد ، الذي نردّه إلى طبقة التوراة الأقرب إلينا ، إلى رسم ألفاظ تلك البركة وظروفها اللاحقة للطوفان ، على ما هو ، في ذلك العنف كلّه ، أشدّ صدمًا لنا ، في تاريخ الكتاب المقدّس : ” ليكن خوفكم وذعركم … ” : هذه الكلمات تفتتحُ سلسلة طويلة من الأوامر المنسوبة إلى ذلك الإله نفسه .
كثيرًا ما سنرى أنّ كلامه يشنّ حروبــــــــــًا ويأمرُ بإبادات ٍ ” عاديتُ أعداءك وخاصمتُ مخاصميك ” ، ” وأمّا مدن تلك الشعوب التي يعطيك الربّ إلهك إيّاها ميراثا ، فلا تستبق ِ منها نسمة ” (تث20 : 16 ) . وذلك الإله يعاقب الذين لا يطبّقون إلاّ نصف الأمر ، بما أنهم لا يطبّقون الحِرمْ . كان قد فرض تدمير عماليق ، من ملكه حتى رضعائه وماشته ( 1 صم 15 : 3 ) . ولما أبقى شاول على الملك والماشية ، نــــُبذ واطّلع على ذلك من المكاشفة التي منحها الله لصموئيل : علمًا بأنّ صموئيل ذبح أجاج الملك أمام يهوه ، قائلا له : ” كما أثكل سيفك النساء ، تُثكل أمّك بين النساء ” ( 1 صم 15 : 33) .
وفي وقت ٍ لاحق ، حصل الجبعونيّون على الحقّ في خوزقة سبعة أبناء لشاول تعويضـــًا عن دين دم : ” على شاول وعلى بيته دم … فشُنقوا على الجبل أمام الربّ ” (2 صم 21 : 6 و 9 ) . أعطى داود جبعون هذا الحق قائلا : ” لتباركوا ميراث أمثال تلك الروايات ، وقد يطولُ الوقت في رسم خريطة لها : ولذلك فإنّ ذلك المثل الأخير لا يبرّر عمل الإنتقام بالإستناد ِ إلى شريعة موسى التي يُفترض بالمقابل أن تنظّم سير حروب الفتح .
في جميع تلك الحوادث ، ولا شكّ ، ثمّة عدم شفافيّة لا تكفي مشاعرنا الطيّبة لتخترقها ، فإننا لا نرتاحُ إلى أن نقرأ فيها قصّتنا ، مع أنّ ذلك قد يكون الطريق إلى الاستقاء من غزارتها ، من غزارة قد نعبّر عنها في مرحلتين :
1- لا يظهرُ الله ولا يمكن أن يظهر للإنسان إلا عبر ما هو الإنسان في الواقع .
2- يظهر الله ، بهذه الطريقة للإنسان حقا . وهذا ما نلاحظه عندما نتثبّت من أنه ، بهذا الثمن ، يغيّره .
إنّ الإنسان ، عَبَر الزجاجتين اللتَين هما زُجاجتا نظّارته الخاصّة ، يرى إلهًا عنيفــــًا . لكن ذلك لا يعني أنه لا يرى الله ، فإنّ الله يستنكر هذه النظرة المشوّهة ، بل يرضى بأن يختار تلك الرؤية ، ولكنه يفعل ذلك ليغيّر ما هو مشوّه . فهو ، لكي يغيّر هذا العنف ، يهديه . وهذا ما يتمّ في التاريخ ، لا بتأثير مجرّد ِ قرار ٍ بشريّ . ففي الحياة أو في الكتاب المقدس ، كثيرًا ما نسمّي عنفا ما ليس إلا إنكشاف عنفنا الخاصّ .