ينقسم الزمن إلى ماضي وحاضر ومستقبل.. وهو أيضًا يتكون من وحدات الثواني والدقائق والساعات والأيام والشهور والسنين والقرون؛ لكن هذا الزمن نسبي لأنه يتوقف على المكان الذﻱ يقاس فيه.. فلكل كوكب يومه وعامُهُ الخاصان به، طبقًا لسرعة دورانه حول نفسه وحول الشمس.. فبهذا يكون الزمن مرتبطًا بالحركة والمكان؛ ولا وجود لأحديهما بدون الآخر.. واليوم على كوكب الزهرة يعادل ٢٤٢ يومًا على كوكب الأرض، والسنة على الزهرة تعادل ٢٢٥ يومًا على الأرض؛ لأن الفصول الأربعة على كوكب الزهرة سنة تقريبًا.. أما اليوم على المشترى يعادل ١٠ ساعات على الأرض، والسنة على المشترى تعادل ١٢ سنة أرضية.
إن المسافات الشاسعة بيننا وبين النجوم تقاس بوحدات السنة الضوئية، وهي المسافة التي يقطعها الضوء في السنة، ووفقًا لنسبية الزمان والمكان نقول أن اليوم عند الرب كألف سنة.. فالمجد والعظمة لله وحده خالق الزمن؛ وهو مالئ الكل (الزمان والمكان) ولا يخلو منه مكان؛ وهو الأزلي الأبدﻱ السرمدﻱ، و هو وحده فوق الزمان والمكان، ولا يحيط به زمان ولا يحده مكان.. أيضًا الإنسان هو الكائن الوحيد الذﻱ يرصد حركة الزمان، وهو الوحيد بين كل الخليقة الذﻱ يشعر بقيمة وأهمية الوقت، لأن الزمان هو نسيج وجود الإنسان، بالرغم من استحالة عودة الماضي وعجز الإنسان نفسه عن إيقاف سيره؛ فكل ما في الزمان يذكِّره بالفناء؛ لأن حاضره هش؛ أما ماضيه ومستقبله تبتلعه عصارة الزمن، وما الكون سوى آلة لإنتاج التاريخ في محصلته.
وكما أن الزمن مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالوعي الإنساني؛ كذلك توقف وعي الإنسان وشعوره بالوقت يعنى نهاية حركة الزمن الذاتية بالنسبة لهذا الشخص.. فبمرور الزمن تمضي القافلة البشرية إلى نهايتها حيث العالم الأبدﻱ غير الخاضع للزمن وغير المحصور بالنهايات، عند نقطة اكتمال الزمان بعد دورتها التصاعدية ووصولها للذروة حيث يتحول من واقعيته الوقتية إلى واقعيتة الأبدية الاسخاتولوجية Εσχατολόγος وتذوق خبرته المجيئية (باروسيا) Παρουσία.
مسيحنا وحده هو الذﻱ يحوﻱ الملء، فالبداية والنهاية الزمنية هي جزءٌ من كلٍ؛ في المسيح؛ لأنه هو الكائن والذﻱ كان والذﻱ يأتي، وهو الألفا والاوميجا.. منه البداية وعنده النهاية، وما حققه تجسده الخلاصي قد قدس به الزمان ومَسْحَنَهُ، من أجل خلاصنا ومن أجل انتشال البشرية من سطوة الزمن، ودخولها إلى عالم ما بعد الميلاد، تأكيدًا على امتداد خلاصه فوق عباءة الزمن المادية، حاضرًا في الزمن ليفتديه، فغير الزمني قد صار زمنيًا؛ ليأخذ من هم أسرىَ الزمن ويجعلهم لا زمنيين، لتدبير ملء الأزمنة؛ وليجمع كل شيء في المسيح يسوع.
حضور المسيح في الزمن قد أعطى للزمن قيمته وحيويته، وبتقديسه له حقق غايته في المسيح، ونثر فيه ثماره الأبدية، محولا الأوقات إلى أزمنة ملكوتية منذ الآن، وهذا هو (الوقت المفتدىَ) الذﻱ نشتريه؛ مفتديين الوقت لأن الأيام شريرة( (أف٥ : ١٦). هذا الافتداء هو شراء للزمن وتحويله إلى قيمة وفعل أبدﻱ؛ لأن الزمن سيبطل؛ أما آفاق الأبدية فهي ممتدة ولا نهائية، في اليوم الأبدﻱ الذﻱ صنعه الرب، ذلك اليوم المسمىَ باليوم الأصلي الذﻱ هو سبتنا وراحتنا الحقيقية.
لقد غطى ضوء المسيح إلهنا بتدبير خلاصه كل الأزمنة، وهو حاضر وحي ومتحرك؛ يمتد عبر الزمان متجهًا اتجاهه الثابت والمؤكد؛ صوب شخصه الإلهي العجيب، الأمر الذﻱ شكّل حياة الكنيسة ومجمع القديسين الذين نتوق لو نضع تراب أرجلهم كُحلاً لعيوننا، بعد أن عاشوا التقوى مفتدين الوقت؛ وسلموه للأجيال ليتاجروا فيه ويربحوا؛ وتزداد النعمة وتنمو إلى نهاية الزمان؛ حتي اليوم الذﻱ فيه يدين الله سرائر الناس حسب قوة إنجيله.
افتدوا الوقت بالأعمال التي لها موازين أبدية تفوق كل زمن ووقت، افتدوا الزمن بالشركة الإلهية والأوقات المقدسة في العبادة والتأمل والسعي نحو المعرفة الإلهية الصافية السماوية غير الكاذبة، افتدوه بأعمال الرحمة والعطاء والخير والبناء، افتدوه بمشاركة المجروح والمطرود والمريض والجوعان؛ فصاروا فوق الزمان عندما أعطوا لحياتهم معنًى إلهيًا أعمق؛ فصارت أوقاتهم مثمرة بالمعنى والقيمة؛ عبر أعمال فائقة بدأوا بها أبديتهم منذ الآن ومن هنا !!!
هذا المنطق الإلهي الفريد والعجيب؛ محفوظ في ذاكرة الحياة المسيحية المؤيدة بالنعمة؛ التي تؤازرها بصورة علنية، فينادى بالإيمان في كل العالم ويترسخ في القلوب والأذهان؛ ويمنحنا ثبات الهبة الروحية وثمارها، لنعيش زماننا ووقتنا في حياة فضلىَ حقيقية بالإرادة الحسنة، فتحلو لنا جميع أعمال الله؛ ويصير حملنا لنيره خفيفًا وحلوًا، متجهين بالزمن الإلهي المقدس الذﻱ وهبه لنا الله، بروح الحركة والامتداد إلى إيمان أعلىَ وأعمق : (ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة؛ نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما في الرب الروح) )٢ كو ٣ : ١٨(
وهذا هو الخيط الذهبي الممتد والقائم من يد الله صانع الزمن (صنعة يديه)؛ لأن الإنسان هو الأداة التي يترجم بها أسرار الأعاجيب في الخليقة لمن حوله، بعهد الله المغروس فيه، وبإدراكه العقلي لحقيقة حضور الله مع كل نفس بنعمته، وبالكرازة الظاهرة والخفية؛ وافتقادات الله للإنسان عبر تاريخ الخلاص؛ وهي رسالة روحية أبدية تتم
ثل في معرفة زماننا الذﻱ نحن فيه؛ لننتبه لحالنا ونعي لاهوت الوقت المعاصر، فنرسم اتخاذ القرار نحو حالتنا الآنية؛ حتى الحضور الحاسم والصائر بمجيء ربنا الثاني في الباروسيا ومعه الدينونة.