أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح يوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول في مسيرة التعليم حول العائلة نستوحي تعليمنا اليوم من الحدث الذي يخبرنا عنه الإنجيلي لوقا (لوقا 7، 11- 15)، إنه مشهد مؤثّر جدًّا ويظهر لنا تعاطف يسوع مع المتألّم – وفي هذه الحالة الأرملة التي فقدت ابنها الوحيد – ويُظهر لنا أيضًا سلطة يسوع على الموت.
تابع البابا فرنسيس يقول: الموت هو خبرة تطال جميع العائلات بدون استثناء. هو جزء من الحياة ويطال جميع العواطف العائليّة، إذ لا يمكن للموت أبدًا أن يبدو لنا طبيعيًّا. وفي هذا الإطار أشار الأب الأقدس إلى الصعوبة التي يواجهها الوالدين في البقاء على قيد الحياة بعد فقدانهم لأبنائهم لاسيما وأنه أمر مؤلم ويتعارض مع طبيعة العلاقات الأساسيّة التي تعطي معنى للعائلة. هذا وأكّد البابا أن فقدان ابن أو ابنة هو كتوقف الزمن، فالموت الذي يخطف ابنًا صغيرًا أو شابًا هو ضربة للوعود وعطايا الحب وتضحياته، فتبقى العائلة مشلولة بكماء. والأمر سيان بالنسبة للابن الذي يبقى وحده بسبب خسارته لأحد الوالدين، أو للاثنين معًا، فيكون فراغ الترك الذي فُتح في داخله مؤلم لدرجة أنه لا يملك الخبرة الكافية ليصف ما حصل.
لكن الموت الجسدي، تابع الحبر الأعظم يقول، لديه أيضًا شركاء أسوء منه وهم الحقد والحسد والكبرياء والجشع؛ بمعنى آخر الخطيئة الموجودة في العالم والتي تعمل لصالح الموت وتجعله أكثر ألمًا وظلمًا. وفي هذا السياق أشار البابا إلى أن العواطف العائليّة تظهر كضحايا لهذه القوى المُساعِدة للموت والتي ترافق تاريخ الإنسان.
تابع الأب الأقدس يقول في شعب الله وبفضل الشفقة التي أُعطيت بيسوع، تُظهر عائلات كثيرة من خلال الأحداث أن الكلمة الأخيرة ليست للموت. وفي كلّ مرّة تجد العائلة في الحداد القوة لحراسة الإيمان والحب اللذين يجمعاننا بالذين نحبّهم، وهذه القوة تمنع الموت من السيطرة على كل شيء. فظلام الموت يُواجه من خلال عمل حبّ أقوى. “يا إلهي أنر ظلماتي!” هو الابتهال الذي نرفعه في صلاة المساء. وفي ضوء قيامة الرب الذي لا يترك أبدًا الذين أوكلهم الآب إليه، يمكننا أن نأخذ “شوكة” الموت كما يقول القديس بولس الرسول (1 كور 15، 55)؛ ويمكننا أن نمنعها من أن تُسمّم لنا حياتنا وتُبطل عواطفنا وتسقطنا في الفراغ الأشد ظلامًا.
بهذا الإيمان، قال البابا فرنسيس، يمكننا أن نعزي بعضنا بعضًا مدركين أن الرب قد غلب الموت مرّة وإلى الأبد. فأحباؤنا لم يختفوا في ظلمة العدم: يؤكّد لنا الرجاء أنّهم بين يدي الله الصالحتين والقويّتين، لأن الحب هو أقوى من الموت. ولذلك من الأهميّة بمكان تنمية هذا الحب وجعله أكثر صلابة وتماسكًا لأن الحب هو الذي سيحرسنا إلى أن تنشف كل دمعة وعندها “لِلمَوتِ لن يَبْقى وُجودٌ بَعدَ الآن، ولا لِلحُزنِ ولا لِلصُّراخِ ولا لِلأَلَمِ” (رؤيا 21، 4). فإن سمحنا لهذا الإيمان بأن يعضدنا يمكن عندها لخبرة الحداد أن تولّد تضامنًا أكبر في الروابط العائليّة وانفتاحًا على ألم العائلات الأخرى وأخوّة جديدة مع العائلات التي تولد مجدّدًا في الرجاء.
وختم الأب الأقدس يقول من الضروري اليوم أن يعبّر الرعاة والمسيحيون جميعًا بشكل ملموس عن معنى الإيمان إزاء خبرة الحداد العائلي. لا يجب أن يُحرم المرء من حقِّه في البكاء فيسوع أيضًا قد “دمعت عيناه” و”جاشَ صَدرُه وَاضطَرَبَت نَفْسُه” بسبب حداد عائلة كان يُحبّها (يوحنا 11، 33- 37). يمكننا أن نستقي من الشهادة القويّة والبسيطة للعديد من العائلات اللواتي عرفن كيف يقبلن، في عبور الموت القاسي، العبور الأمين للرب، المصلوب والقائم من الموت، مع وعده بقيامة الأموات. إن عمل محبّة الله هو أقوى من عمل الموت، وينبغي علينا أن نجعل من ذاك الحب شريكًا عاملاً مع إيماننا!