يندرج هذا المقال ضمن إطار حملة “الحضور الحقيقي”، حملة لمدة خمس سنوات لإعادة إكتشاف سرّ الإفخارستيّا، وهو المقال الثاني ضمن سلسلة مقالات، بقلم الأرشمندريت سمير نُهرا، تعرض لأقوال وتعاليم اباء الكنيسة حول الإفخارستيّا.
1– الإفخارستيّا ذبيحة سلام
يشير القدّيس باسليوس الكبير ان المؤمن يأتي الى مائدة الربّ ليشترك في فرح الملكوت بعد ان يكون قد إمتنع عن الطعام طيلة النهار وحتى الساعة التاسعة وهي ساعة موت الربّ اي الساعة الثالثة بعد الظهر بالتوقيت المدني. فالصوم في الكنيسة الأولى هو إنتقال من الحياة الأرضيّة تخطياً للزمن الى عتبة الأبدية في الإفخارستيّا. أنّه فرح الكنيسة الظافرة وهي تهيء نفسها لعشاء عرس الحمل بتقدمة قربان شكر، تعبّر عنه بعمل رمزي، عن إعتراف شعب الله بسيادته، ولتشكر له إنعاماته وتمجّده وتدخل في إلفة معه، وتجلس على مائدته وقد أُعتقت من الخطيئة والموت، مرنّمة مع الملائكة أناشيد الشكر والتمجيد.
2- شروط المناولة
يرجع القدّيس باسيليوس دائما الى ما ورد في الأنجيل المقدّس وتعليم رسول الأمم. ” الذي يتقدّم الى المناولة له إعتبار كبير لأنه يشترك بجسد ودم المسيح، ولا يستفيد شيئاً من يتقدّم دون إستحقاق بل يستوجب الدينونة”. لذلك لا يتوانى القدّيس عن سرد الشروط الواجبة للمناولة الحسنة. ففي قوانينه المختصرة يشترط الخوف والإيمان والمحبة. فالخوف لإنّ الرسول بولس يعلّمنا “من يأكل جسد الربّ ويشرب دمه بدون إستحقاق إنما يأكل ويشرب دينونة لنفسه إذا لم يميّز جسد الرب”(1كور 11/29). والإيمان، لإنّ الذي يتناول يثق بكلام معلّمه القائل:” هذا هو جسدي الذي يبذل من أجلكم. إصنعوا هذا لذكري”(لو22/19). والمحبّة، “لإنّ محبّة الله تحثّنا”(2كور 5/12).
ويتابع القدّيس ويقول ” الذي يتناول يتحتم عليه تغيّيراً جذريّاً…وليتذكّر من يتقدّم الى المناولة موت المسيح وقيامته… وليتذكّر أنه يجب عليه التحلّي بنقاوة الجسد والروح. وأن يعبّر بتعبير واقعي عن الموت عن الخطيئة والعالم والذات بعيشه مع الله…”.
3- حضور المسيح الفعلي في القربان
إنّ القدّيس باسيليوس يؤمن إيماناً شديداً وراسخاً بالحضور الحيّ للمسيح في القربان. يقول في إحدى عظاته:” أتجهلون من هو هذا الذي تتناولونه؟ هو نفسه القائل:” إننا نأتي إليه وعنده نجعل مقامنا”(يو 41/23).
إنّ الربّ يسوع قد رسم هذا السرّ العظيم قبيل موته ليكون ذكراً لمحبته العظيمة للإنسان. لذلك سُمي هذا السرّ، سرّ موت المسيح المحي وقيامته من بين الأموات وصعوده الى السماء، وجلوسه عن يمين الآب ورجوعه المجيد الرهيب.
ويركّز القدّيس على التناول المتواتر لأنّه شركة محيية في جسد المسيح ودمه المقدّسين.” أنّه لحسن ومفيد جداً أن تتناول 4 مرّات في الأسبوع: يوم الربّ، والأربعاء والجمعة والسبت والأيام الأخرى وخاصة في الأعياد. لأنّ المسيح قال:”من يأكل جسدي ويشرب دمي له الحياة الأبديّة وأنا أقيمه في اليوم الأخير”(يو 6/55).
4– المكان اللائق للإحتفال بالإفخارستيّا
لا يهمل القدّيس باسيليوس النواحي العمليّة في المناولة. ففي القوانين المختصرة طُرح هذا السؤال: هل يجوز الإحتفال بالإفخارستيّا في البيت؟ فيجيب القدّيس:”كلا لا يجوز. ألم يقل القدّيس بولس الرسول:” أفليس لكم بيوت تاكلون فيها. غير إذا إلتزم أحد من باب الضرورة أن يقدّس، فلينتخب في الزمان الموافق، المحل او البيت اللائق لئلا يُهان العشاء السيّدي”.
5– المناولة باليد
في الرسالة 93 بعد ان يتكلم عن المناولة المتواترة يطرح هذا السؤال: هل يمكن حين الإضطهاد التناول باليد في غياب الكاهن أو الشمّاس؟ فيجيب:” لا حرج على الإنسان أن يتناول جسد ودم الربّ حين يضطر الى ذلك، خصوصاً في زمن الإضطهادات. في الواقع نحن نعرف أنّ الرهبان في المناسك حيث لا يوجد كاهن، يحتفظون بالقربان ويتناولونه بأيديهم. والبعض من الناس يحتفظ بالقربان في بيته ويتناوله إذا دعت الحاجة الى ذلك”.
الأرشمندريت سمير نُهرا
من كهنة أبرشيّة صيدا للروم الملكيّين الكاثوليك
مدير مزار سيّدة المنطرة – مغدوشة – جنوب لبنان
المراجع
1- قراءات عن الإفخارستيّا في تعليم القدّيس باسيليوس الكبير: الأب لورنسيوس فيصل المخلّصي
2-كتابات في الرسائل للقدّيس بالأخص رقم 93
أطلق تجمّع خليقة جديدة، في تشرين الثاني 2014، حملة لمدة خمس سنوات لإعادة اكتشاف سرّ الإفخارستيّا، بعنوان: الحضور الحقيقي. تهدف الحملة الى زيادة معرفة مسيحيّي الشرق الأوسط بحضور يسوع الحقيقي في سرّ الإفخارستيّا. ماذا يعني(هذا السرّ/الحضور)؟ كيف ولماذا يحوّلنا؟ وإبراز ما لهذا الحضور من أهميّة وما لفقدان الإيمان به من تبعات على حياة الكنيسة والمجتمعات وعلى الحياة الروحيّة الخاصّة.