يشهد عالمنا اليوم سلسلة من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، امتد تأثيرها ليشمل النظام التعليمي أيضاً، فسعت السلطات الكاثوليكية في عدة بلدان بشكل حثيث لمواجهة هذه التحديات والعمل على إصلاح هذا النظام، وكان الهدف الرئيسي من هذه الإصلاحات هو إعداد جيل جديد من الطلبة المؤهلين على استيعاب هذه التغيرات والتعامل معها بكفاءة وفعالية.
إن هذه الورقة – ولو كتبت في إطار الظروف المحيطة بمدارس البطريركية اللاتينية– تتناول دور المدرسة الكاثوليكية إدارياً وذلك تحت عنوان “مدير المدرسة هو أيقونة المسيح يسوع” مما يتطلب منه أن يلعب دوراً قيادياً، روحياً وتربوياً داخل المجتمع المدرسي.
نحن ندرك أن يسوع المسيح هو الأساس في المؤسسة التعليمية برمتها وليس فقط في المدرسة الكاثوليكية، فهو المعلم الأول، “هو الطريق والحق والحياة” (يوحنا 6:14)، لذلك كان مدير المدرسة أيقونة يسوع المسيح داخل جدران مدرسته ولجمهور المسيحيين كافةً، وفي تقديري فإنه ليحافظ على هذه الصورة يتعين عليه أن يواصل دعوة المسيح من خلال تربية وتهيئة وإرشاد الطلاب في سيرتهم العلمية في إطار العالم المعاصر، لقد قام المسيح في تأدية دعوته بدور الملك والنبي والكاهن، إنه يدير ملكوته، بنشر البشرى الطيبة (الإنجيل) ويقوي شعبه من خلال الأسرار التي أسسها، خاصة من خلال سر المعمودية (سري التجسد والخلاص)، ولذا أقول أن المعلمين بنوع خاص هم رسل المسيح.
وفي الروح ذاتها أتوقع من مدراء المدارس أن يطلعوا بدور “الملك والنبي والكاهن” داخل محيطهم وذلك ضمن أفضل الإمكانيات التي يمتلكونها.
مدير المدرسة “الملك- القائد الشاهد”
هي البُعد الجديد في تعريف القيادة حيث تتلخص في القدرة على أن يُحب وأن يكون محبوباً، أن يُلهَم وأن يكون مصدراً للإلهام، أن يبدع وأن يحلُم ، فالقيادة هنا تعني التركيز على القدرات العاطفية، التعلُم لخلق المعرفة والقدرة على التعامل مع الجانب الروحي في صميم الشخصية، هي الخير الداخلي نحو الفضيلة، والخير الخارجي تجاه العلاقات الاجتماعية، هي في الأساس مجموعة القدرات المعرفية والعاطفية والروحية، فضلاً عن الالتزام بالتطور الشخصي والالتزام المجتمعي، لذا فإن القيادة تعني الالتزام، الاحياء، والتنور، وكلها تنبع من مبادىء عدة: النيه، الاهتمام، الامتنان، الانفتاح والثقة، ولو أراد المدراء أن يصبحوا رواداً قادرين في مدارسهم، عليهم أن يدعموا ويقيّموا ويساهموا في تنمية نوعية التعليم بصورة مهنية، وهنا ينبغي عليهم أن يقاربوا ويطوروا مناهج تعليمية تتلائم مع الاحتياجات الثقافية والروحية والمحلية والمتطلبات الخاصة بالطلبة الذين يتوجهون إلى مدارس القرن الواحد والعشرون.
ويرى البعض أن القيادة السليمة للمدرسة تتطلب من المدير أن بكون متخصصاً قادراً في عدة مجالات، على سبيل المثال التربية، نفسية الطفل، إدارة شؤون الموظفين ومجالات أخرى متصلة، وهذا لن يتم بدون تعاون مع الآخرين، وبنظري فالمدير المثالي هو ذلك الشخص المرتيط بخطة تطويرية من شأنها خلق شراكات منتجة مع أفراد داخل المدرسة بالتنسيق مع مؤسسات خارجية مختلفة، ومع المجتمع المحلي والعائلات التي ترسل أبنائها الى المدارس، هو من يمتلك روح القيادة في داخله، ولديه القدرة على الإنجاز بناءً على إستراتيجية عمادها نقاط القوة والآمال، هو من يولي الأهمية للتنمية الشخصية والممارسات الروحية التي يمكن استخدامها في مكان العمل، وبالتأكيد هو القادر على تبني القيادة الموجهة روحياً في عصر العلمانية، وهذا ما نحتاجه في مدارسنا، نحن بحاجة إلى مدير المدرسة القادر على الاستكشاف وعلى الحلم، نحن بحاجة إلى مدير ينبض حماسة للسير بالمدرسة نحو المستقبل.
إن المدارس التابعة للبطريركية اللاتينية بحاجة الى مدراء يمتلكون أفقاً ثقافيةً واسعة ليس فقط على المستوى الثقافي إنما على أساس نظام كفاءات كاثوليكية، يشار إليها أحياناً كقيم إنجيلية، تهيئهم أن يكونوا رواداً روحياً ودينياً.
نحن نسعى نحو إيجاد مدراء قادرين على ممارسة الشؤون الفنية المتعلقة بإدارة وقيادة المؤسسات التعليمية وهذا الجانب له أهمية قصوى.
مدير المدرسة “النبي- القائد المعلم”
“المدير هو عين المعلم إن غفلت، ضميره إن قصر، ملهمه ومشجعه” (جلالة الملكة رانيا العبد الله)، بناءً على ما سبق ذكره، فالحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن عملية القيادة هي عملية معقدة لذلك فإن المدارس الكاثوليكية كغيرها من المؤسسات تسعى لأن يمتلك المدير في مدارسها مهارات متنوعة أكثر من غيره، فهو “المتعلم” الذي يمتلك النية والاستعداد للدخول في سلك التعليم طويل الأمد، وهو من يدرك حاجته إلى تطوير المهارات الشخصية والمهنية، وانعكاسها على الآخرين .
أما “المدير” القائد في أي مؤسسة فغايته الأسمى تتمثل بتطوير وخلق التجاوب مع التغيير، الاصلاح والتجديد، القدرة على الإدارة والنظر إلى المستقبل، وهي صفات أساسية تساعد في عملية تطوير التعاون المتبادل واستراتيجيات إعداد الفرق.
يعتبر المدير مرشد حقيقي عندما يمتلك القدرة على بث الرؤيا المسيحية من خلال مشاهدة الخبر السار وبالتالي فإن مدير المدرسة عليه أن يتعاطى إنسانياً مع الزملاء والطلاب والعمل على إرشادهم عن طريق القلب والفكر.
مدير
المدرسة هو أيضاّ “مراقب متعلم” حين يجتهد في أداء وتسهيل مجمل النشاطات الثقافية بشكل يومي، محاولاً بنفس الوقت زيادة كفاءة أنظمة التعليم القائمة.
وهو أيضاً “سياسي” مؤثر إذا نجح في حل النزاعات الداخلية والخارجية في المؤسسة والتوسط والتواصل مع المعلمين والطلاب والمجتمع المحلي للعمل سوياً نحو تصور مشترك في التربية المسيحية.
ويصبح المدير في وضع يؤهله ليكون مديراً لنشاطات المدرسة إذا تمكن من تطوير القدرات والكفاءات للخوض بمشاريع ترفع من مكانة المدرسة، مما يعكس القدرة على التخطيط بجدارة لتحقيق الهدف.
بالختام فإن المدير هو “مستشار” بشرط أن يقوم بدعم التوازن التعليمي، النفسي، الروحي والعاطفي في حياة الطالب والمعلم داخل المدرسة، وفي محيط الأسرة التي تخدمها المدارس، وكذلك في المجتمع الأوسع حيث تتواجد المدرسة.
مدير المدرسة “الكاهن- القائد الخادم”
مدارسنا اليوم هي الأماكن الوحيدة عملياً حيث يحصل الكثير من الأشخاص على إمكانية الإصغاء إلى الكلام عن يسوع المسيح وحضوره في الثقافة والأدب، وبنظري أن على مدير المدرسة أن يقوم بدور “مسؤول روحي” داخل مجتمع المدرسة كإشارة إلى وجود المسيح داخل هذا المجتمع، وهذا يتضمن أربع جوانب من المسؤوليات: تطوير الايمان، بناء المجتمع المسيحي، التنشئة على أساس معنوي وأخلاقي، الإلمام بتاريخ وفلسفة المدرسة المسيحية.
لعلي أضيف أن لمدير المدرسة تأثير إيجابي على الثقافة الكاثوليكية داخل المدرسة مما يسهم في دعم الايمان المسيحي من خلال شهاداته الشخصية، كما أن التزامة بالتعليم والممارسات الكاثوليكية يؤهله أن يصبح رائداً ورسولاً.
- رسول المحبة: تعبيراً عن الإيمان المسيحي من خلال نشر محبة الله بين المعلمين والطلاب.
- رسول رجاء: وهذا يتطلب أن يكون قلبه زاخراً بالأمل مع نظرة تفاؤل نحو المستقبل.
- رسول إيمان: أن يدرك أن القيادة الروحية تبدأ من الداخل من الروح.
بالختام على مدير المدرسة أن يجمع ما بين المهام والمسؤوليات الروحية والتربوية والإدارية والشخصية تحقيقاً لجو تعاوني يضمن النجاح لصالح فريق العمل، فيكون القائد، ويكون المثال، ويكون الخادم والمساند، ويعمل على بناء جيل جديد من المواطنين المخلصين والمؤمنين الملتزمين، ويكون بذلك أيقونة حية لجيل جديد.