عندما وجّه السيد الرب تلاميذه الرسل الأطهار وأرسلهم إلى العالم سلمهم رسالة الإعلام قائلاً: (اِذهبوا وتلمِذوا جميع الأمم وعلموهم أن يحفظوا كل ما أوصيتُكم به) ومن هنا حمَّلهم رسالة كرازية تحمل أعمق معاني الإعلام وأدَقّها.
لذلك رسالة الكنيسة الإعلامية هي رسالة كرازة وبشارة مُفرحة وسارّة للعالم كله، هي رسالة تعليم وحفظ وصايا إلهية؛ مضمونها الإرتقاء بالإنسان والخلاص الأبدﻱ الثمين. إنها رسالة خبرية تحمل رجاء الشعوب ونور الأمم، والمسيح إلهنا محب البشر الصالح الذﻱ كان يجول يصنع خيرًا هو المكروز به للخلاص الأبدﻱ.
وإنْ حملت رسالتنا الإعلامية جوانب حقوقية وإجتماعية وأخلاقية وحياتية، إلا أنها تبقى مبتورة ما لم تحمل بشارة الخلاص والفداء الذﻱ صار لنا بإلهنا العظيم والمُتعجَّب منه بالمجد،كذلك تبقى منقوصة إذا افتقرت إلى قِيَم المسيحية: (المحبة، العدالة، الخير، المصالحة، السلام، الوداعة، الحكمة التعقل، الإنفتاح، عدم الإنكفاء على الذات، مجاوبة مَن يسألنا عن سبب الرجاء الذﻱ فينا)، خاصة أمام الشَبُّورة الشيطانية التي تجول قِبالتنا بالتشويه والأكاذيب والشائعات.
فإن تطورت الآليات والتقنيات ووسائل التبليغ والمقاصد لكنها تبقى ثابتة المضمون والمدلولات في كل زمان ومكان لنهيئ للرب شعبًا مستعدًا. نائلين بها بناء وخلاص النفوس التي اقتناها مسيحُنا بالدم الكريم.. لذلك الضرورة موضوعة على الكنيسة كي تدخل إلى ماكينة الإعلام المذهلة لتغرس الوصايا والقيم والإتجاهات والمفاهيم والرُؤىَ والأنماط التي تتناسب وزمان إفتقادنا.
لا شك أن النقلة النوعية الهائلة في الإعلام الإلكتروني والبث المرئي وإقتران الثورة المعلوماتية بالثورة المرئية جعلت بيئة الإنسان تتشكل بفعل الإعلام المعاصِر، والذﻱ بات يشكل وعْي ووجدان الناس عبر نقل الرسالة الإعلامية إلى الحد الذﻱ يتطابق فيه الزمان مع المكان، بمعنى أنه في لحظة حدوث الحدث يتم الإعلام عنه مباشرة أياً كان موقعه؛ مما زاد التفاعلات بين المُرسِل والمُرسَل إليه، مع معرفة ردود الأفعال حول ما يُبَث مباشرة، في دمج وتزاوج الوسائط الإلكترونية (multi media) عبر الأقمار الصناعية وأنظمة الإرسال التليفزيوني والإنترنت واليوتيوب والفيس بوك والتيويتر.
كل ذلك يتطلب وقفات استيعاب لهذا التدفق حتى يتوحد مع المضامين التي تخصُّنا، في امتلاك(know why) ، ولل (know how)، من حيث المحتوى والأسلوب والهدف والوسيلة بعد أن صار الإعلام الخُبز اليومي الذﻱ به نستطيع أن نوجه رسالتنا على مَدَى يُغطي الجغرافيا بمساحة الكُرة الأرضية.
ورسالتنا في الإعلام المسيحي لا تتضمن فقط تاريخ الخلاص والعقائد والفكر الكتابي والطقوس والتقليد الكنسي لكنها أيضًا تمَسّ واقع حياة أعضاء شعبنا؛ لأننا إذا استمرّينا نصُمّ الآذان ونُغلق العيون بحُجَّة أن الوقت لم يَحِنْ فإن حالتنا ستتردَّى؛ بينما من أولويات الإعلام المسيحي أن يقدم ما يتعلق بأعضاء الكنيسة وشهادتهم المستمرة في حياتهم اليومية؛ لأننا صرنا منظرًا للعالم للملائكة والناس (١كو ٤ : ٩).
إن رسالتنا في الإعلام المسيحي تتحقق كمًّا وكيفًا متى وظّفنا التقنيات بطريقة حِرَفية ومِهنية لتقدم الرسالة والرؤية الواضحة لحياتنا ومسيرتنا، إذ أن غياب الرؤية والاحتراف يضيّع الوسيلة الكُفء، أمّا العمل الفني الاحترافي ينطلق بالرسالة إلى الأمام.
كذلك هناك إحتياجات مُلحّة تتعلق بالإختلاف والخلاف والشفافية والتعايش والحضور والإيجابية والتميز وتخطي الحواجز والتهديدات والشكوك والإشاعات، تلك المنطلقات التي يلزم الدخول إلى أغوارها في واقع متأزّم وليس بالهيِّن.
وإنني أرى أن برنامج (نبض الكنيسة) نموذج لخطوة على الطريق في هذا المضمار. لعلَّ العاملين بالإعلام المسيحي ينتبهون إلى علامات الزمان وإيقاعها السريع، ويقرأون جيدًا قضايانا الحقوقية والمصيرية قراءة صحيحة؛ لأنها تأتي في صميم إيماننا؛ حيث تتركز صَوْبنا ماكينة مسخَّرة لإقتلاعنا ولتشويه عقيدتنا وتاريخنا ورموزنا وللعبث بحاضرنا، ولوْلا إلهنا لابتلعونا ونحن أحياء. وبالجُملة فإعلامنا اليوم يساوﻱ حضورنا وكرامتنا وافتخار إيماننا.