تتواصل الحرب الأهلية التي تشهدها سورية منذ العام 2011 حيث تحصد عشرات القتلى والجرحى يوميا. وإزاء استمرار الصراع المسلح ووسط التصعيد الأمني الخطير الراهن في شمال البلاد بعد أن تدخلت القوات التركية لتقصف مواقع تابعة للدولة الإسلامية والميليشيات الكردية على حد سواء، أجرى القسم الإيطالي في راديو الفاتيكان مقابلة مع السفير البابوي في دمشق المطران ماريو زيناري الذي اعتبر أنه فضلا عن أعمال العنف يواجه السوريون اليوم تهديدا من نوع آخر ألا وهو الفقر المدقع منددا بتقاعس الجماعة الدولية عن الإيفاء بوعودها ومقدما صورة عن الأوضاع الراهنة حاليا في البلد العربي. قال سيادته: إن النسيان هو شر يُضاف إلى الشر الموجود أصلا. عندما يدوم صراع ما لفترة طويلة يواجه خطر الدخول في نفق النسيان، وهذا أمر يُضر كثيرا بالجميع.

وفي رد على سؤال بشأن الكاهن اليسوعي الإيطالي باولو دالوليو الذي تصادف يوم الأربعاء المقبل ـ التاسع والعشرين من تموز يوليو الجاري ـ الذكرى السنوية الثانية لاختطافه في سورية قال السفير البابوي في دمشق إن الكل يتذكّر هذا الكاهن الإيطالي بمحبة وتعاطف وتقدير كبيرين. وقال: إن هذا الكاهن الذي أحب سورية كثيرا وبذل جهودا حثيثة في سبيل الحوار ما بين الأديان. وذكّر المطران زيناري بأنه بالإضافة إلى باولو دالوليو يوجد حاليا في سورية ستة من رجال الدين المسيحيين المختطفين حاليا ولم يُعرف عنهم شيئ بينهم أسقفان، معتبرا أن هؤلاء الرجال هم جزء من آلاف الأشخاص الذين يُفقدون ولا يُعثر على أثر لهم ويتركون وراءهم كما كبيرا من الألم وسط عائلاتهم.

في سياق حديثه عن آخر التطورات الراهنة على الساحة السورية، وعن الوضع الأمني والسياسي عموما، قال الدبلوماسي الفاتيكاني إن الأوضاع في سورية تبعث على القلق الشديد، لافتا إلى أن عدد السوريين الذين لجئوا إلى البلدان المجاورة تخطى عتبة الأربعة ملايين شخص، في وقت يُحكى فيه عن وجود أكثر من سبعة ملايين ونصف مليون سوري من المهجرين داخل بلادهم. وتحدث سيادته عما سماه بـ"قنبلة الفقر" التي تهدد جميع السوريين فضلا عن الصراع المسلح الذي حصد وما يزال يحصد أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى.

وأوضح المطران زيناري أن نسبة ستين بالمائة تقريبا من المواطنين السوريين تفتقر إلى العمل، فيما تواصل الأسعار ارتفاعها. وقال: إن "قنبلة الفقر" تلحق الضرر بالكل وتستهدف أشخاصا كثيرين جدا، مذكرا بالنداءات المتكررة الصادرة عن الأمم المتحدة، لاسيما مبعوث المنظمة الخاص إلى سورية ستافان دو ميستورا، بشأن ضرورة البحث عن حل سياسي للصراع السوري والتخلي عن تقديم حلول عسكرية، ومن هذا المنطلق يتعين على الجماعة الدولية أن تبذل مزيدا من الجهود في هذا الاتجاه. وقال: لا يسعنا أن ننتظر أن تستمر هذه الحرب لأشهر وأشهر إضافية.

أشار السفير البابوي في دمشق إلى أن المناطق التي تحتاج حاليا إلى الدعم والمساعدة أكثر من سواها هي حلب والحسكة والقامشلي وفي جنوب البلاد أيضا مؤكدا أن هذه الآفة منتشرة على كامل التراب السوري ويصعب بالتالي أن نجد منطقة بمنأى عما يجري. بعدها أكد المطران زيناري أن الكنيسة الكاثوليكية تبحث عن طريق الحوار، بدءا من السلطات والمرجعيات الدينية من مختلف الطوائف والمذاهب. ولفت أيضا إلى الالتزام الذي تقوم به الكنائس في مجال المساعدات الإنسانية إذ تسعى بجهد إلى تنسيق عمليات جمع المعونات وتوزيعها على السكان المحتاجين، مع أن ما تفعله الكنائس ليس إلا "نقطة واحدة في صحراء العوز" لكنها تبقى نقطة ثمينة جدا.

وأوضح سيادته أن هذا الالتزام مرفق بالحضور الفاعل للكهنة والأشخاص المكرسين على أرض الواقع، وهذا الأمر يعطي قيمة إضافية للمساعدات الكنسية، خصوصا وأن هؤلاء الأشخاص يحظون بتقدير ومحبة واحترام كل السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والطائفية. ختم السفير البابوي في دمشق حديثه للقسم الإيطالي في إذاعتنا مذكرا باللقاء الذي جمعه مؤخرا مع البابا فرنسيس وقال إن البابا عبّر عن قربه من السوريين المتألمين وهو يشعر بمعاناتهم.