يواصل البابا فرنسيس زيارته الرسولية إلى أمريكا اللاتينية حيث التقى في الملعب الرياضي بعاصمة الباراغواي أسونسيون ممثلين عن المجتمع المدني. ووجه لهم خطابا أكد فيه أن بناء عالم أكثر إنسانية أمر ممكن شرط ألا نقف مكتوفي اليدين أمام حالات الظلم العديدة معتبرا أن أي شعب يعيش في حالة من القبول هو شعب ميت، ولفت إلى أن الله يقف دائما إلى جانب كل ما يساعد على تحسين حياة أبنائه والتغلب على الشرور الكثيرة التي تؤدي إلى إقصاء أعداد كبيرة من الأشخاص. ومن الأهمية بمكان ـ تابع البابا يقول ـ أن يفهم الشباب السعادة الحقيقية التي تمر عبر النضال في سبيل عالم أكثر أخوة وعدالة. وأكد أن السعادة والتمتع ليسا مرادفين لأن السعادة تتطلب الالتزام والتفاني.
هذا ثم حثّ البابا فرنسيس الشبيبة بنوع خاص على تقديم الأفضل لديهم وقال: يُحزنني جدا أن أرى شابا “متقاعدا”، وطالب من الأجيال الفتية أن تناضل مستقية قوتها من اختبار الأجيال السالفة، مذكرا الجميع بأن الله هو ضمانة كرامتنا كبشر. ولم تخل كلمة البابا إلى الممثلين عن المجتمع المدني في الباراغواي من الإشارة إلى أهمية الحوار مع أن الحوار ليس سهلا إذ إنه يتطلب ثقافة التلاقي. واعتبر أن على الحوار أن يُقر بأن الاختلاف ليس أمرا جيدا وحسب بل هو ضروري لأن التماثل يلغينا ويجب بالتالي ألا ينطلق الحوار من فكرة أن الآخر مخطئ. إن الخير العام يتم البحث عنه من خلال اختلافاتنا، مفسحين المجال دائما أمام بدائل جديدة. وفي الوقت نفسه الحوار لا يعني التفاوض لأنه يمكنني أن أتحاور فقط إذا كنت أتمتع بهوية قوية لأنه لا يمكن التفاوض حول الهوية.
إن اختيار الحوار ـ مضى البابا فرنسيس إلى القول ـ يعني ألا نخشى الصراع، بل على العكس ينبغي أن نحول الصراع إلى وحدة لا تقضي على الاختلافات بل تعيشها ضمن إطار الشركة ومن خلال التضامن والتفاهم. لا بد من الإصغاء إلى الآخر، وتفهم وجهة نظره والتعرف على تطلعاته التي هي في غالب الأحيان تطلعات مشتركة. وينبغي أن ندرك أننا كلنا أخوة، وأبناء للآب السماوي نفسه، وكل شخص يمكنه أن يقدم الكثير إلى الجماعة من خلال ثقافته ولغته وتقاليده الخاصة.
هذا ثم حذر البابا من مغبة النظر إلى الفقراء بنظرة أيديولوجية تؤول إلى استغلال الفقراء من أجل المصالح السياسية أو الشخصية مذكرا بأن الأيديولوجيات لا تجدي نفعا. من هذا المنطلق يجب أن يحركنا القلق حيال الفقراء وينبغي أن نبدي استعدادا للتعلم منهم. وحث البابا الممثلين عن المجتمع المدني على عدم الاستسلام لنموذج اقتصادي “وثني” يحتاج إلى التضحية بأرواح البشر على مذبح المال والربح، وقال: “لا بد أن يحتل الإنسان والبيئة التي يعيش فيها المرتبة الأولية في مجالي الاقتصاد والسياسة”، مذكرا في الختام بأن المحبة حيال الفقراء تشهد على أن نموذجا آخر للنمو يبقى ممكنا.