هو حنان الرّب على أرملة تعاين وحيدها يجوع… فيقوتها، ويموت… فيعيد اليه الحياة، ولها يعيد مذاق الحياة…
هو صرخة “ما بالكم تعرجون بين الله والبعل، اختاروا الله واعبدوه، أو اختاروا البعل واعبدوه”، صرخة معاصرة، لمجتمع تلاميذ المسيح يعرجون بين الله واصنام حياتهم اليومية… إيليا يصرخ اليوم: “كن شجاعاً، كن صادقاً، كن حرّا واختر إما الله وإما اصنام المال والجمال واللّذة والسلطة… فالهك غيور، لا يرضى بأنصاف القلوب والارادات والخيارات… الله لا يساكن ما هو مختلف عنه”…
ايليا صرخة تقول: إجمعوا كهنة البعل، تيارات العالم المعاصر، وتخلّصوا منها… ايليا لم يذبح بشر، بل رفع سيف كلمة الرّب، أعلن الحقيقة، ازال المنطق القاتل، وجعل الأرض مملكة لله…
إيليا لم يكن كاملاً، خاف من حقد إيزابل الكنعانيّة، هرب، اختبأ، صار محبطاً، اغمض عينيه وطلب لنفسه الموت… هو صورة انساننا الضعيف الخائف، هو انا أقول قد تعبت من الصراخ في عالم مغلق القلب عن إرادة الحياة… خفت ويئست من الاعلان والالتزام وفقدت الامل من الشهادة…
وكان صوت الله لايليا: “قم وكل، أمامك درب طويلة”، فقام واكل وسار مسيرة اربعين يوما حتى جبل الله حوريب… مكان اللقاء بالله، مكان الوحي والعهد، جبل الحبّ الالهي… وبقي ايليا متردداً، هارباً، فتش عن مغارة واختبأ فيها… هو انا يدعوني الرّب الى الارتقاء وانا افتش عن مغارة اختبيء بها لئلا يصل الي نور الرب وارادته، فهو متطلب، ىاتباعه يحتاج لتضحيات…
ولكن صوت الله اخرج ايليا من وحدة مغارته، انار ظلمة وحدته وشدّد قواه كن جديد…
خرج ليعاين الله، فكان الزلزال، ولم يكن الله في الزلزال… فالله لا ينهج منطق الدمار، بل يبني حياتي بصبر وحبّ…
وكانت العاصفة، ولم يكن الله في العاصفة… لكيما التقي الله لا بد من تهدئة عواصف عواطفي ومخاوفي ورغباتي ليبدأ الله بالكلام…
،وكانت النار، ولم يكن الله في النار، فالنار ان لم تكن نار الروح تحرق وتبيد وترمّد، هي نار غضبي، وانتقامي، وردات فعلي الهوجاء، ولن يتكلم الله حتى اطفيء نار ذاتي والتهب بنار الروح القدوس المحيي…
وكان النسيم العليل، وكان الله في النسيم، فصوت الله يهمس في إذن نفسي، صوته عذب، لا اسمعه الا اذا صمتُّ وصمتت ارادتي الذاتية…
هو ايليا، مدرسة في التتلمذ النبوي، مثال في البطولة رغم الضعف، لم نترك من صورته سوى سفاح يقطع الرؤوس…