لقد تكوّنت بنية قانون إيماننا ، بصورة إجماليّة ، إبّان القرنين الثاني والثالث بالإرتباط مع احتفالات العماد . أما من حيث البقعة الجغرافيّة التي نشأ فيها قانون الإيمان أوّل ما نشأ ، فلدينا دليل على ذلك في أحد النصوص الرومانيّة . أما الوسط الحيويّ الذي ولد فيه ، فهو إطار شعائر العبادة ، ولا سيّما الإحتفالات برتبة العماد . فلقد استوحيَ الشكل الأساسيّ لهذا السرّ من أقوال يسوع القائم من الموت التي ذكرها الإنجيليّ متى (28 : 19) ، حيث جاء : ” اذهبوا الآن وتلمذوا كلّ الأمم معمّدين إيّاهم باسم الآب والابن والروح القدس ” .
وهنا ، نذكرُ أنه عند الحديث التنصّر تـــُطرح ، وفقا لهذا النصّ ، ثلاثة أسئلة : ” هل تؤمن بالله الآب الضابط الكلّ ؟ هل تؤمن بيسوع المسيح ابن الله ؟ هل تؤمن بالروح القدس ؟ فيجيب الحديث التنصّر عن كلّ من هذه الأسئلة بقوله ” أؤمن ” ؛ وفي كلّ مرّة من هذه المرّات الثلاث يـــُغطس في الماء . ولهذا نرى أنّ أقدم شكل من أشكال قانون الإيمان يتألف من حوار مثلث الأجزاء يواكبُ الإحتفال برتبة العماد ، ويقوم كلّ جزء منه على سؤال وجواب .
في القرن الرابع نجدُ نصّا متتابعــــًا وقد تخلّص من خطّة السؤال – الجواب . كذلك فإنّ النصّ الموجود في اللغة اليونانيّة فيه ما يحملُ على الإعتقاد بأنه يعود إلى القرن الثالث ، لأنّ اللغة اللاتينيّة كانت قد أصبحت لغة الطقوس الدينيّة في روما إبّان القرن الرابع بصورة نهائيّة . ولم يطل الوقت حتى ظهرت ترجمة لاتينيّة لقانون الإيمان . ونظرًا للواقع المميّز الذي كانت تنعمُ به كنيسة روما بالنسبة إلى سائر أقطار الغرب ، انتشر القانون الرومانيّ للإيمان المتلوّ في أثناء رتبة العماد انتشارًا سريعا في البلدان الناطقة باللاتينيّة . وقد أدى ذلك أيضا إلى حصول سلسلة من التعديلات الخفيفة في النصّ .
منذ القرن الخامس ، وربّما منذ القرن الرابع ، كانت قد سرت أسطورة تقول بأنّ أصل قانون الإيمان يعود إلى الرسل ؛ وبعدها بقليل (من المحتمل القرن الخامس ) ، بلغ الأمرُ ببعض الدارسين أنهم نسبوا إلى كلّ واحد من الرسل تأليف أحد البنود الاثني عشر التي أخذوا ، منذئذ ، يتبيّنون وجودها في مجمل نصّ قانون الإيمان .
يقول أساقفة ألمانيا ، أنّ هناك صيغٌ متنوّعة استخدمتها الكنيسة الآولى في قوانين الإيمان . ففيما يبدأ ” قانون إيمان الرسل ” بقوله : ” أؤمن ” ، يقول قانون الإيمان النيقاويّ القسطنطينيّ الذي يعودُ إلى المجمعين المسكونيّين الأولين : ” نؤمن ” . جوابــــــــًا للسؤال أعلاه ، فلا تناقض ولا إختلافٌ كبير بين الصيغتين . بل إنّ تباينهما يعبّر عن تكامل بين عناصر جوهر الإيمان . وهنا هي العقدة الكبيرة التي يقع فيها الكثيرين : فلا إختلافٌ في الجوهر الإيمانيّ بل المشكلة كلّها في ” المصطلحات والتعابير ” ، ضاعَ الفحوى العميق وبقيَ الشكل الخارجيّ للتعابير هو الدائر في طاولات النقاش ! فالقول ” أؤمن ” ، يعني أنّ الإيمان هو قرارٌ حر ومسؤول يتخذه الإنسان بمفرده ، ولا يمكن أن يـــُرغَم عليه أحد ضدّ إرادته وضد ضميره . والقول ” نؤمن ” ، يعني أنه _ بحسب تعليم الكنيسة الرسميّ _ لا أحد يمكنه أن يؤمن وحده . لا أحد يعطي ذاته الإيمان . بل كلّ واحد يتقبّله من الذين آمنوا من قبله . ولا أحد يستطيع أن يحفظَ الإيمان لنفسه ، بل عليه أن ينقله إلى الآخرين . فكلّ واحد إذن هو عضوٌ في سلسلة المؤمنين . قانون إيمان نيقية (325) – والقسطنطينيّة (381) ، هو مشتركٌ بين جميع الكنائس الكبرة في الشرق والغرب . فهو قانون إيمان كاثوليكيّ في المعنى الأصليّ للفظة ، إذ إنه جامع ويمتدّ على الأرض كلّها ، أي مسكونيّ . وهو أيضا قانون الإيمان الليتورجيّ الرسميّ الذي يُتلى في الإحتفال بسرّ الإفخارستيّا . كلا القانونين هما موجز الإيمان كله وعلامة تعارف بين المؤمنين .
يقول الكاردينال جوزيف راتسنجر (البابا بنديكتوس السادس عشر ) : ليس الإيمان ، بسبب طابعه كمجاهرة إيمانيّة ، أو بسبب أصله ، فعلَ تلاوة نصوص ، ولا عمليّة قبول نظريّات تتعلّق بأمور نجهل كلّ شيء عنها ومع ذلك نجهر بها كما لو كنا متأكدين من حقيقتها ؛ إنما الإيمان عبارة عن تحول وجوديّ يحرزه الإنسان ” .
للمزيد راجع : قانون الرسل على هذا الرابط
http://www.christusrex.org/www1/ofm/1god/simboli/apostoli.htm
مراجع هذا الموضوع
1 – مدخل إلى الإيمان المسيحيّ ، جوزيف راتسنجر ، ترجمة د. نبيل خوري – سلسلة الفكر المسيحيّ بين الأمس واليوم
2 – المسيحيّة في عقائدها ، أساقفة ألمانيا ، نقله من الألمانيّة المطران كيرلس سليم بسترس ، سلسلة الفكر المسيحي بين الأمس واليوم
يتبع ، سنرى في المقال القادم : لاهوت الإيمان