Cover

Parole et Silence/Bernardins

رسالة البابا فرنسيس حول التغير المناخي هي خطاب علميٌ إنسانيٌ علمانيٌ وأخلاقي معاً

رأي حول الرسالة العامة للبابا

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

كتب … د. أيّوب أبو ديّة      
   إن رسالة البابا فرانسيس للعالم حول التغير المناخي هو خطاب علميٌ إنسانيٌ علمانيٌ وأخلاقي معاً، فمن حيث هو خطاب علمي هو دليل على أن البابا الذي لديه مجموعة كبيرة من العلماء الطبيعيين يعملون من حوله استطاع أن يتفهم عمق قضية الانحباس الحراري وأثارها الخطيرة على التغير المناخي والسكان والتنوع الحيوي في أرجاء الأرض وارتفاع منسوب مياه البحار واشتداد الكوارث الطبيعة حول العالم وما إلى ذلك من تداعيات.لقد توصل البابا، فيما يبدو، أولاً، إلى تفهم تام للاشكالية العلمية، وهذا يتطلب ذكاءً متقداً، ثم يحتاج إلى قناعة واقتناع معا ثانياً، وهذا يستدعي ايضا الصبر والتأني والبحث المتواصل والاهتمام البالغ لبلوغ الادراك الواعي والحر بأن المسألة خطيرة جداً ويجب التعامل معها بمسؤولية. كذلك يحتاج الامر إلى شجاعة للإفصاح عن هذه القناعة للعالم الذي يقبع على أبواب الاجتماع الأكثر أهمية حول التغير المناخي في نهاية العام في باريس COP21 والذي يعتبر الأهم منذ اجتماع كوبنهاجن   COP15 عام  2009 .إذا، هذا هو الجانب العلمي أما بشان الجانب الإنساني فقد أدرك البابا أن المخاطر الناجمة عن التغير المناخي حول العالم سوف تكون لها أثارها السلبية الهائلة جداً على المجتمعات الفقيرة التي تعيش في آسيا وأفريقيا تحديداً، وإلى حد ما في بعض مناطق وسط وجنوب أمريكا اللاتينية، وبالتالي فإن هذه الشعوب التي هي أصلاً تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة فسوف تتضاعف همومها ومصائبها ويكون أثر التغير المناخي عليها أشد بكثير من الدول الصناعية المتقدمة التي تسهم في أغلب التلوث العالمي. 
أما من حيث الجانب العلماني لخطاب البابا فهو دليل على اهتمام البابا بالشؤون الحياتية على قدم المساواة مع المسائل الدينية من حيث الدمج بين الحياة الآخرة والحياة الدنيا معاً، على غرار مقولة الامام علي الشهيرة: “إعمل لدنياك كانك تعيش ابدا واعمل لاخرتك كانك تموت غدا”، بمعنى أنها دعوة كي ننظر ايضا إلى هذه الحياة الدنيا التي كرمنا الله فيها بهذه الطبيعة الجميلة وقمنا نحن بتخريبها والإساءة إليها، الأمر الذي باتت نتائجه واضحة بينة في العقود القليلة الماضية من حيث ارتفاع معدلات درجات الحرارة كنتائج مترتبة على الثورات الصناعية منذ مطلع القرن التاسع عشر.أما البعد الأخير وهو البعد الأخلاقي، فإن اعتبار التغير المناخي ظاهرة بشرية تستدعي اتخاذ موقف أخلاقي واضح يحدد ما هو العمل الجيد الذي ينبغي أن يقوم به الإنسان تجاه أمنا الأرض والكرامة الإنسانية للشعوب الفقيرة الأكثر تضرراً، وهي معايير أممية بطبيعة الحال تتجاوز المعايير الدينية والمذهب الكاثوليكي تحديداً.        إن العالم يمتلك اليوم الوسائل التكنولوجية والعلمية والقدرات الاقتصادية وصناعة المعرفة القادرة على الحد من تأثيرات ومسببات التغير المناخي، وبالتالي هو قادر أيضاً على تخفيف حدة الفقر وتوفير الحاجات الأساسية للإنسان من مياه شرب وتعليم وغذاء وما إلى ذلك بما يكفي للحفاظ على الكرامة الانسانية؛ وعلى الرغم من ذلك فهو لا يفعل شيئاً كافيا! هنا يظهر البعد الأخلاقي الذي يبدو مهماً من حيث أنه شعور الإنسان بواجبه تجاه أخيه الإنسان، وبواجبه تجاه هذه الأرض التي يعيش عليها ويتشارك فيها مع باقي العناصر الحية الأخرى.
ومن الأبعاد الأخلاقية التي دعا إليها البابا أن يسعى العالم إلى التخفيف من الإنفاق على السلاح في مقابل السعي نحو التقدم القائم على التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر الذي يقلل من إطلاق الغازات الدفيئة ويخفض استهلاك الوقود الأحفوري الذي يؤدي الى تلويث البيئة، وبالمقابل الاتجاه صوب الطاقة النظيفة والمتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الجوفية وطاقة أمواج البحر.        وفي اعتقادنا أن البابا يوجه خطابه صوب الإنسان العادي بغض النظر عن معتقده ويطالبه بتخفيض استهلاكه الشخصي وإنفاق ما هو بحاجته فقط متجاوزاً رغباته اللامحدودة في أكله وشربه ومسكنه وترحاله واستخدام اقل قدر ممكن من الطاقة واختيار الطاقات النظيفة ما أمكنه، ذلك لمنع التلوث من أن يشتد حول العالم سواء على صعيد الغازات الدفيئة أو العناصر المشعة التي تبقى من حولنا لملايين السنين.
إن هذه الدعوة لا يمكن الاستهانة بها لأنها موجهة إلى العالم بأسره وإنْ كانت صادرة عن رأس الكنيسة الكاثوليكية والتي يعتقد أن أتباعها يشكلون ربع سكان الأرض وربع سكان الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً (وهي ثاني أكبر ملوث للكرة الأرضية بعد الصين) وهي ايضا رسالة تذكرنا بالقديس فرانسيس الأسيزي الذي أطلق دعوات مشابهة لحماية الطبيعة في مطلع القرن الثالث عشر؛ وإن كانت رسائل ذات أنماط مختلفة ونابعة من حاجات مختلفة أيضاً ولكنها تمتلك من الشبه ما ينوف عن تشابه اسم البابا الحالي باسم ذلك القديس، وتتجاوزها إلى حب الطبيعة والإنسان معاً، والدعوة إلى حماية الطبيعة ورعايتها وصيانتها نظيفة آمنة ومستدامة للأجيال القادمة لأنها حق لهم، فمن واجبنا أن نسلم هذا الإرث لهم نظيفاً معافى كما استلمناه نحن من ابائنا واجدادنا فيما مضى.
 

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير