Caravaggio - Vocation of Saint Matthew

WIKIMEDIA COMMONS

الدعوة تنبع من الحب. الحب يساعدنا على تمييز دعوتنا

ما هي دعوتي (18)

Share this Entry

مقدمة لا بد منها: بعد أن نظرنا في لاهوت الدعوة الكتابي، لا يمكننا أن نقول أن هناك مخلوق بلا دعوة. ومن المستحسن أن نعمل قليلًا في المجال اللاهوتي والرعوي لتنقيح الكلمات التي نستعملها في الحديث عن الدعوة، رغم أن التعابير المستعملة حاليًا هي مترسخة في كلامنا وتفكيرنا. يميّز اللاهوتيون في اللغات الغربية، في الإيطالية مثلاً، بين “الدعوة” (vocazione) وبين “الحالة الحياتية” (stato di vita). بالطبع الترجمة الحرفية العربية لا تفي بالغرض، ولكن من المفيد أن نتوصل في لاهوت الدعوات باللغة العربية إلى تعبير يميّز بين الدعوة العامة للقداسة وخيارات الحياة التي قد تتبدل أحيانًا، وليس دائمًا بسبب نقص بشري، بل بسبب إلهام إلهي (فلنفكر بتطور “الحالة الحياتية” في حياة الأم تريزا أو في حياة القديس أنطونيوس البادواني).

فلنعد الآن إلى موضوعنا: إلى جانب التشويش الذي ينبع من الكلمات، هناك تشويش أخطر ينبع من اقتدائنا بخطأ التلاميذ. فمثل تلاميذ يسوع نتساءل اليوم أيضًا: “من هو الأكبر؟” (مت 18، 1؛ راجع مت 20، 25 – 28). يجب على هذا النقاش حول أية “دعوة” (بمعنى “حالة حياة”) هي أهم من الأخرى أن يجعلنا نخجل ونصمت مثل التلاميذ لدى سؤال يسوع عما كانوا يتحدثون عنه في الطريق. فمُطلق وكامل الإنجيل يتوجه إلى الجميع بلا استثناء، حتى ولو بأشكال مختلفة: “كونوا كاملينرحماء كما أن أباكم السماوي كاملرحوم” (مت 5، 48؛ لو 6، 36). هذا الكمال في المحبة هو دعوة الجميع. بالشكل عينه “الدرب الأمثل”، درب المحبة والفضائل الإلهية، هو دعوة للجميع (راجع 1 كور 12، 31). أكبر تلاميذ يسوع يقتدي بالرب وينحني على أقدام الآخرين ليغسلها (راجع يو 13). أكبر الجميع هو خادم الجميع.

دعوتنا هي أن نكون قديسين وأنقياء بالمحبة وكل الدعوات الأخرى تنبع من هذه الدعوة الأساسية والنهائية. وحده الحب الذي هو جوهر القداسة يعطي معنى وقيمة لـ “حالات الحياة”. فما من مكان أو لون ثوب أو موهبة على الورق تستطيع أن تحل مكان الدعوة الأولى والأخيرة، التي هي دعوة أن نكون في المحبة. فكل “حالة حياة” يجب أن تكون ترجمة وتطبيقًا لما يسميه برنارد لونرغان “الحالية الدينامية للكيان-في-الحب”[1].

من هذا المنطلق “حالة الحياة” هي أكثر من خيار، هي جواب حب. وما من معيار خارجي، “موضوعي” يقول لي أن هذه الحالة أكمل وأمثل من تلك. المعيار هو شخصاني، هو العلاقة الحميمة التي تربطني بالرب. في العلاقة الشخصانية، الحب والحوار يشكلان إطار التمييز والتقييم.

يكتب اللاهوتي الأرثوذكسي بافل أفدوكيموف صفحات نيرة بهذا الشأن ويبين كيف أن “المُطلق الإنجيلي” هو موجه للجميع. ويقول: “لهُو باطل أن نقيم تمييزًا مجردًا لأنه غير شخصاني” ويصرح بأن المعيار الحق هو “عمق وكثافة حب الله” في حالة الحياة التي يختارها الإنسان[2].

ويحذر اللاهوتي بأنه لا يجدر بنا أن نحقّر حالة حياة لنرفع أخرى أو أن نرفع واحدة على حساب الأخرى، بل يجب أن نقتدي بآباء الكنيسة الذين كانوا يرون أهمية حالة حياة معينة انطلاقًا من التجرد عن الحالات الأخرى النبيلة الذي يطلبه اختيارها.

بالمعنى عينه يقول فون بالتازار أن رسالة الإنسان ودعوته “ليست واقعًا عامًا ومبهمًا كرداء جاهز، بل هي محاكة باسمه وتنطبق عليه مثل هدية شخصية. وبفضلها يضحي الإنسان شخصًا بالمعنى الكامل”[3]. الدعوة الأساسية هي الحبة، وعليه فمن لا يُحب هو – بحسب بالتازار – خارج بالكلية عن دعوته، لدرجة أنه ولو بدا حيًا بالجسد، بالواقع هو ميت، لأن ’من لا يحب، يبقى في الموت‘ (1 يو 3، 14)” [4].

ولكن كيف أميّز “دعوتي”، أي “حالة الحياة” التي أنا مدعو لأحقق فيها حبي وعلاقتي بالرب؟

 


[1] B. Lonergan, Method in Theology, Toronto 1972, 105.

[2] P.N. Evdokimov, Sacramento dell’amore. Il mistero coniugale alla luce della tradizione ortodossa, Servitium, Sotto il Monte 1999, 84.

[3] H.U. von Balthasar, Gli stati di vita del cristiano, Milano 19962, 69.

[4] Ibid., 22.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير