استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الخميس في قاعة كليمينتينا بالقصر الرسولي بالفاتيكان طلاب المعهد الحبري يوحنا بولس الثاني في روما بمناسبة افتتاح السنة الأكاديميّة الجديدة وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال إن الحدس البعيد النظر للقديس يوحنا بولس الثاني، الذي أراد هذا المعهد، يمكنه اليوم أن يُقدَّر بشكل أفضل في خصوبته وآنيته؛ وتمييزه الحكيم لعلامات الأزمنة قد أعاد بقوّة إلى اهتمام الكنيسة والمجتمع البشري عمق وهشاشة الروابط التي تولد من العهد الزوجي بين الرجل والمرأة.
تابع الأب الأقدس يقول في الظرف الحالي تتعرّض الروابط الزوجيّة والعائليّة للتجربة بأشكال عديدة؛ أضف إلى ذلك قيام ثقافة تُبجِّل الفردانيّة النرجسيّة ومفهوم الحريّة المنفصل عن المسؤوليّة تجاه الآخر ونمو اللامبالاة تجاه الخير العام وفرض إيديولوجيات تنقضُّ على المشروع العائلي ونمو الفقر الذي يهدّد مستقبل عائلات عديدة هذه الأمور كلها تشكِّل أسباب أزمة للعائلة المعاصرة. ومن ثمَّ هناك المسائل المفتوحة لنمو التقنيات الجديدة الذي تسمح بممارسات غالبًا ما تتضارب مع الكرامة الحقيقيّة للحياة البشريّة. وبالتالي أدعوكم لتواجهوا بشجاعة هذه الأمور بالحزم الضروري والمناسب بدون السقوط في تجربة تجميلها.
أضاف الحبر الأعظم يقول إن الشك والاضطراب اللذين يطالان عواطف الشخص الأساسيّة والحياة يزعزعان جميع الروابط العائليّة والإجتماعيّة من خلال تفوّق الـ “أنا” على الـ “نحن” والفرد على المجتمع. إنه نجاح يتعارض مع مخطط الله الذي أوكل العالم والتاريخ للعهد بين الرجل والمرأة. وهذا العهد بطبيعته يتطلّب تعاونًا واحترامًا، تكرُّسًا سخيًّا ومسؤوليّة مُشتركة وقدرة على الاعتراف بالاختلاف كغنى ووعد. فالاعتراف بكرامة الرجل والمرأة تتطلّب تقييمًا صحيحًا لعلاقتهما المتبادلة. كيف يمكننا إذًا أن نعرف بعمق بشريّتنا الملموسة إن لم نتعرّف عليها من خلال هذا الاختلاف؟ وهذا الأمر يتمّ عندما يحادث الرجل المرأة ويسائل واحدهما الآخر وعندما يحبّان بعضهما البعض ويعملان معًا في الاحترام المتبادل والمحبّة.
تابع البابا فرنسيس يقول تشكل العائلة الحشا الذي لا يمكن الاستغناء عنه للتنشئة على العهد الخلائقي للرجل والمرأة. هذا الرابط، الذي تعضده نعمة الله الخالق والمخلّص، مكتوب له أن يتحقق من خلال الأشكال العديدة لعلاقتهما والتي تنعكس في الروابط الجماعيّة والاجتماعيّة المختلفة. في الواقع عندما تسير الأمور بشكل جيّد بين الرجل والمرأة يسير العالم والتاريخ أيضًا بشكل جيّد، أما في الحالة المعاكسة يصبح العالم غير مضياف ويتوقّف التاريخ.
أضاف الأب الأقدس يقول ينبغي على شهادة البشريّة وجمال الخبرة المسيحيّة للعائلة أن يلهماننا بشكل أعمق. إن الكنيسة توزّع محبّة الله للعائلة في سبيل رسالتها، رسالة المحبّة لجميع عائلات العالم. فالكنيسة ترى في العائلة أيقونة عهد الله مع العائلة البشريّة بأسرها، وفي هذا الإطار يؤكِّد الرسول أن هذا هو لسرّ كبير مشيرًا إلى المسيح وكنيسته. لذلك تلزمنا محبّة الكنيسة بأن ننميّ قدرتنا على قراءة وتفسير حقيقة وجمال مخطط الله لزمننا، لأن إشعاع هذا المخطط الإلهي، لاسيما في وضعنا الحالي، يتطلّب منا حكمة في المحبّة وتكرّسًا إنجيليًّا تحركه الشفقة والرحمة تجاه هشاشة الحب بين الكائنات البشريّة. لذلك من الأهميّة بمكان أن نلتزم بحماس أكبر في سبيل “إنقاذ” هذا “الإختراع” الرائع للخلق الإلهي؛ كما ينبغي أن يؤخذ هذا “الإنقاذ” على محمل الجد إن كان على الصعيد العقائدي وإما على الصعيد التطبيقي والراعوي، لأن ديناميكيّة العلاقات بين الله والرجل والمرأة وأبنائهما هي “المفتاح الذهبي” لفهم العالم والتاريخ بكل محتواهما. نحن ندرك بالتأكيد أننا نحمل هذا الكنز “في آنية من حذف”. إن النعمة موجودة وكذلك الخطيئة، لنتعلّم إذًا ألا نستسلم للفشل البشري ولنعضد “إنقاذ” هذا المخطط الخالق مهما كان الثمن. صحيح أننا قد قدمنا أحيانًا مثالاً لاهوتيًا مجرّدًا للزواج، بعيدًا عن الواقع الملموس وعن الإمكانيات الفعليّة للعائلات.وبالتالي أفقدت هذه المثاليّة المُفرطة الزواجَ جاذبيّته.
تابع الحبر الأعظم يقول إن اللقاء السينودسي المزدوج لأساقفة العام مع بطرس وبإشراف بطرس قد أظهر ضرورة توسيع فهم الكنيسة وعنايتها بهذا السرّ للحب البشري الذي من خلاله تسير محبّة الله للجميع. إن الإرشاد الرسولي “فرح الحب” يغتني من اتساع النطاق هذا ويطلب من شعب الله بأسره أن يُظهر بشكل مرئيٍّ وفعال البعد العائلي للكنيسة، وبالتالي فالعائلات التي تكوّن شعب الله مدعوّة لتكون أكثر وعيًا وإدراكًا لعطيّة النعمة التي تحملها لأن الموضوع الراعوي الحالي ليس فقط “ابتعاد” العديد عن مثاليّة الحقيقة المسيحيّة للزواج والعائلة وعيشها؛ وإنما أيضًا “قرب” الكنيسة من الأجيال الجديدة من المتزوّجين.
أضاف الأب الأقدس يقول إن الأفق الجديد لهذا الإلتزام يُسائل بشكل خاص معهدكم الذي دُعي ليعضد الانفتاح الضروري لحكمة الإيمان على خدمة العناية الراعوية لخليفة بطرس. لا ننسينَّ أبدًا أن اللاهوتيين الصالحين هم كالرعاة الصالحين تفوح منهم رائحة الشعب والطريق ومن خلال دراستهم يسكبون الزيت والخمر على جراح البشر. إن اللاهوت والعمل الراعوي يسيران معًا. فالتعليم اللاهوتي الذي لا يسمح لهدف الكنيسة حمل البشارة والعناية الراعويّة بأن يطبعه ويوجّهه هو غير مقبول تمامًا كالعمل الراعوي الذي لا يعرف أن يغتني من الوحي وتقليده في سبيل تحسين فهم الإيمان ونقله.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول تتطلب هذه المهمّة أن تكون متجذّرة في فرح الإيمان وتواضع الخدمة الفرحة للكنيسة الحيّة التي نعيش فيها، والكنيسة الجميلة التي ننتمي إليها وكنيسة الرب الواحد والروح الواحد التي إليها نكل أنفسنا “كخدمٍ لا خير فيهم” (لوقا 17، 10) يقدّمون أفضل عطاياهم. ليرافقنا الله في مسيرة الشركة هذه التي سنقوم بها معًا، وليبارك منذ الآن السخاء الذي تستعدون من خلاله لتزرعوا الثلم الذي أوكِل إليكم.
ألمصدر: إذاعة الفاتيكان