Audience du 20-06-2018, capture @Vatican Media

الامتنان هو سمة تميّز القلب الذي يسكنه الروح القدس

النص الكامل للمقابلة العامة مع المؤمنين يوم الأربعاء 27 حزيران 2018

Share this Entry

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!

يتمّ اللقاء اليوم مثل الأربعاء الماضي. فهناك العديد من المرضى في قاعة بولس السادس، وهم هناك لحمايتهم من الحرارة وكي يكونوا أكثر راحة. لكنّهم سيتابعون اللقاء عبر الشاشة الكبيرة، ونحن أيضًا معهم، أيّ أنه ليس هناك لقاءان، بل لقاء واحد. لنحيّي المرضى في قاعة بولس السادس. ولنتابع الكلام عن الوصايا التي، كما قلنا، هي أكثر من وصايا، إنها كلمات الله لشعبه كي يسير سيرة حسنة؛ إنها كلمات أب محبّ.

هكذا تبدأ الوصايا العشر: “أَنا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذي أَخَرجَكَ مِن أَرضِ مِصرَ، مِن دارِ العُبودِيَّة” (خر 20، 2). وقد تبدو هذه البداية غريبة عن نص الشريعة الفعليّة الذي يتبعها. ولكن الأمر ليس هكذا.

لماذا يقوم الربّ بهذا الإعلان عن ذاته وعن التحرير؟ لأنهم وصلوا إلى جبل سيناء بعد أن عبروا البحر الأحمر: إله إسرائيل يخلّص أوّلًا، ثم يطلب الثقة[1]. بمعنى أن الوصايا العشر تبدأ بسخاء الله. الله لا يطلب شيئا أبدًا قبل أن يعطي أوّلاً. أبدًا. يخلّص أوّلاً، يعطي أوّلاً، ثم يسأل. هكذا هو أبونا، إله صالح.

لنفهم أهمّية الإعلان الأوّل: “أنا هو الربّ إلهك”. توجد “ملكيّة”، توجد علاقة، فالله ينتمي إلينا. الله ليس غريبا: إنه إلهك أنت[2]. إن هذا ينير الوصايا العشر برمتها ويكشف أيضًا عن سرّ السلوك المسيحي، لأنه نفس سلوك يسوع الذي يقول: “كما أَحَبَّني الآب فكذلكَ أَحبَبتُكم أَنا أَيضًا” (يو 15، 9). المسيح هو محبوب الآب وهو يحبّنا بذات المحبّة. فهو لا ينطلق من ذاته إنما من الآب. إن أعمالنا غالبًا ما تفشل لأننا ننطلق من ذواتنا لا من الامتنان. مَنْ ينطلق من ذاته، إلى أين يصل؟… ينتهي إلى ذاته! إنه غير قادر على المسيرة بنفسه، يعود إلى نفسه. هذا هو بالتحديد التصرّف الأناني الذي، بسخرية، يقول عنه الناس: “هذا الشخص هو الـ أنا، أنا معي أنا، وبالنسبة لي أنا“. يخرج من نفسه ويعود إلى نفسه.

الحياة المسيحيّة هي قبل كلّ شيء الإجابة الممتنّة لآب سخيّ. والمسيحيّون الذين يتبعون مجرد “واجبات” يتذمرون من عدم عيش اختبار شخصي مع ذاك الإله الذي هو “إلهنا”. عليّ القيام بذلك، وذلك، وذلك… واجبات فقط. لكن ينقصك شيئًا! ما هو أساس هذا الواجب؟ أساس هذا الواجب هو محبّة الله الآب، الذي يعطي أوّلًا، ثم يطلب. وأن نضع الشريعة قبل العلاقة، لا يساعدنا في مسيرة إيماننا. كيف يمكن لشاب ما أن يرغب في أن يكون مسيحيّا، إن انطلقنا من واجبات، والتزامات، وتوافقات، وليس من التحرير؟ لكن أن نكون مسيحيًين فهذا يعني أننا في مسيرة تحرير! الوصايا تحرّرك من أنانيّتك وتحرّرك لأن محبّة الله تدفعك إلى الأمام.  التنشئة المسيحيّة لا ترتكز على قوّة الإرادة، إنما على قبول الخلاص، على أن نسمح بأن نُحَبّ: أوّلًا البحر الأحمر، ثمّ جبل سيناء. الخلاص أوّلاً: الله ينقذ شعبه في البحر الأحمر. ثم في سيناء يقول له ما يجب عليه فعله. غير أن هذا الشعب يعرف أنه يقوم بهذه الأشياء لأن الآب الذي يحبّه قد خلّصه.

الامتنان هو سمة تميّز القلب الذي يسكنه الروح القدس؛ كي نطيع الله يجب أوّلًا أن نتذكّر كلّ حسناته. يقول القدّيس باسيليوس: “وحدُه مَنْ لا يُسقِط في بحر النسيان هذه الحسنات، يتوجّه نحو الفضيلة الصالحة ونحو كلّ عمل بار” (قواعد مختصرة، 56). إلى أين يقودنا كلّ هذا؟ يقودنا إلى القيام بتمرينٍ للذاكرة[3]: كم من الأمور الجميلة قد حقّقها الله لكلّ واحد منّا! كم هو سخيّ أبونا السماوي! الآن أودّ أن أقترح عليكم تمرينا صغيرا، بصمت، وكلّ فرد يجيب في قلبه. كم من الأشياء الجميلة قد صنعها الله لي؟ هذا هو السؤال. بصمت، كلّ واحد منّا يجيب. كم من الأشياء الجميلة قد صنعها الله لي؟ هذا هو تحرير الله. فالله يصنع الكثير من الأشياء الجميلة ويحرّرنا.

برغم ذلك، يمكن لشخص ما أن يشعر أنه لم يعش بعد اختبارًا حقيقيًّا لتحرير الله. من المحتمل أن يحدث هذا. قد ننظر ربما إلى داخلنا ونجد فقط حسّ الواجب، روحانية العبيد وليس روحانية الأبناء. ماذا علينا أن نصنع في هذه الحالة؟ كما صنع الشعب المختار. يقول سفر الخروج: “كانَ في هذه المُدَّةِ الطَّويلةِ أَنْ ماتَ مَلِكُ مِصر. وكانَ بَنو إسْرائيلَ يَتَنَهَّدونَ مِن عُبودِيَّتِهِم، فصَرَخوا وصَعِدَ صُراخُهم إِلى اللهِ مِنَ العُبودِيَّة. فسَمِعَ اللهُ أَنينَهم وذَكَرَ عَهدَه مع إِبْراهيمَ وإِسحقَ وَيعْقوب. ونَظَرَ اللهُ إِلى بَني إِسْرائيلَ وعَرَفَ اللهُ” (خر 2، 23- 25). الله يفكر فيّ.

إن عمل الله المحرّر المذكور في بداية الوصايا العشر هو الإجابة على هذه الشكوى. نحن لا نخلّص أنفسنا بأنفسنا، إنما بإمكان صرخة استغاثة أن تخرج منّا: “يا ربّ، خلّصني، يا ربّ علّمني الطريق، يا ربّ أعطني بعض الفرح”. هذه صرخة معونة. إن الأمر مرتبط بنا: أن نطلب أن نُحرّر من الأنانيّة، والخطيئة، وأغلال العبوديّة. هذه الصرخة مهمّة، إنها صلاة، إنها وعي بما يزال مكبوتًا وغير محرّر فينا. هناك الكثير من الأمور في روحنا لم تُحَرَّر بعد. “خلّصني، ساعدني، حرّرني”. إنها صلاة جميلة للربّ. الله ينتظر هذه الصرخة، لأنه يقدر ويريد أن يحلّ قيودنا؛ فالله لم يدعونا إلى الحياة كي نبقى مكبوتين، بل كي نصبح أحرارًا ونحيا بالامتنان، طائعين بفرح للذي قد منحنا الكثير، أكثر بكثير ممّا يمكننا أبدًا أن نعطيه. هذا جميل. ليكن الله مباركًا للأبد لكلّ ما صنعه، وسوف يصنعه فينا!

* * * * * *

الكتاب المقدّس:‏

مِن سفر تثنية الاشتراع (4، 32- 35)

“والآن فسَلْ عنِ الأَيَّام الأُولى الَّتي كانَت مِن قَبْلِكَ: […] هل كانَ مِثْلُ هذا الأَمرِ العَظيم أَو هل سُمِعَ بمِثْلِه؟ وهل سَمعَ شَعبٌ صَوتَ إِلهٍ يَتَكلَمُ مِن وَسَطِ النَّار، كما سَمِعتَ أَنتَ، وبَقِيَ على قَيدِ الحيَاة، أَو هل حاوَلَ إِلهٌ أَن يَأتِيَ ويَتَّخِذَ لَه أُمَّةً من وَسْطِ أُمَّةٍ بِتَجارِبَ وآياتٍ وخَوارِقَ وحُروبٍ ويَدٍ قَوَّيةٍ وذِراعٍ مَبْسوطةٍ ومَخاوفَ عَظيمة، مِثلِ كُلِّ ما صنعَ لَكمُ الرَّب إِلهُكم بِمِصرَ أَمامَ عَينَيكَ؟ فقَد أُريتَ ذلك لِتَعلَمَ أَنَّ الرَّبَّ هو الإِله وأَن لَيسَ آخَرُ سِواه”.

كَلام الرَّبِّ

* * * * * *

Speaker:

تابع قداسة البابا اليوم تعاليمه حول الوصايا العشر، موضحا أن الله قد أعطى هذه الوصايا بعد أن أخرج ‏شعبه من العبودية، لتأكيد أنه ليس إلها يفرض واجبات وقيودا، إنما هو أب يظهر سخاء محبته، ويخلص أولا، ‏ثم يخاطب‏ شعبه ويرشده. لذا فعيش الوصايا هو، قبل كل شيء، إجابة ممتنة لهذا الآب السخي. فمحبة الله تسبق الشريعة وتعطيها معنى. وهنا شدد ‏قداسته على‏ أهمية تذكر كل حسنات الله في حياتنا، لأن هذا يجعلنا ممتنين له، وحث الأشخاص، الذين لم ‏يختبروا بعد تحرير الرب لهم، لأن يصعدوا صرخة استغاثة له، على غرار الشعب المختار، لأن الله‏ يقدر ويريد ‏أن يحل‏ جميع قيودنا، لنكون أحرارا ولنطيعه بفرح الأبناء الممتنين.

* * * * * *

Speaker:

أرحب بمودة بالحاضرين الناطقين باللغة العربية، وخاصة بكورال “الفرح التام” القادم من مصر، ‏وبجوقة ‏‏”نوسروتو” من لبنان، وبمؤمني كنيسة “المخلص” من القدس. لقد أعطى الله الوصايا لشعبه بعد أن ‏حرره من العبودية،‏ مظهرا هكذا سخاء محبته الأبوية. فالله يرغب في أن يحل جميع قيودنا، كي نعيش الحياة ‏والوصايا، لا بروح‏ العبيد،‏ وإنما بحرية الأبناء. ليبارككم الرب جميعا ويحرسكم من الشرير!

‏‏

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2018

 



[1] بهذا الصدد، يوجد نصّ منير في التقليد الرباني: “لماذا لم يتمّ إعلان الكلمات العشر في بدء التوراة؟ […] بماذا يمكننا مقارنته؟ إلى حاكم مدينة يسأل مواطنيه: “هل أقدر أن أملك عليكم؟”. ولكنهم أجابوا: “ماذا صنعت من الخير كي تدّعي الملك علينا؟” ماذا صنع بالتالي؟ بنى لهم جدران حماية، وقناة لتزويد المدينة بالمياه؛ ثمّ خاض الحروب من أجلهم. وعندما سأل مجدّدا: “هل أقدر أن أملك عليكم؟”، أجابوه: “نعم، نعم”. هكذا أيضًاالمكان -أي الله- أخرج إسرائيل من مصر، وشطر لهم البحر، وأنزل لهم المنّ، وأخرج الماء من البئر، وأرسل إليهم السلوى، وفي النهاية، خاض الحرب ضدّ عماليق من أجلهم. وعندما سألهم: “هل أقدر أن أملك عليكم؟”، أجابوا: “نعم، نعم”” (عطيّة التوراة. تعليق على الوصايا العشر في سفر الخروج 20 في الميكيلتا لرابي إيشامايل، روما 1982، ص. 49).

[2] را. بندكتس السادس عشر، الرسالة العامة الله محبة، عدد 17: “تتكوّن قصّة الحبّ بين الله والإنسان على وجه التحديد من حقيقة أن شركة الإرادة هذه تنمو في شركة الفكر والشعور، وبالتالي، تطابق إرادتنا إرادة الله أكثر فأكثر: إن إرادة الله ليست بالنسبة لي إرادة غريبة تفرضها عليّ الوصايا من الخارج، إنما إرادتي الشخصيّة بالذات، بحسب التجربة أن الله، في الواقع، هو قريب منّي أكثر ممّا أنا قريب من ذاتي. فينمو بالتالي تسليم الذات لله ويصبح الله فرحنا”.

[3] را. عظة البابا في بيت القدّيسة مارتا، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2014: “[ماذا يعني أن نصلّي؟] يعني أن نتذكّر تاريخنا أمام الله. لأن تاريخنا هو تاريخ محبّته تجاهنا”. را. أقوال وأعمال آباء الصحراء، ميلانو 1975، ص. 71: “النسيان هو أصل كلّ الشرور”.

 


© Copyright – Libreria Editrice Vaticana

Share this Entry

Staff Reporter

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير