مسيحو العراق .. معاناة صامتة

بقلم الأب رفعـت بدر

Share this Entry

عمان، الثلاثاء 27 نوفمبر 2012 (ZENIT.org). – وتستمر الحكاية، أية واحدة ؟ خروج العراقيين من الشرق، تبعاً لما قالوا انه بناء الديمقراطية والدولة الحديثة في العراق. وكأن الديمقراطية تستورد من الخارج مع أطنان الأرز والمعكرونة وغيرها… وكأنها كذلك ليست نتاج ” تربية وتثقيف ” تحتاج – قبل ان تجتاح – الى سنوات قد تمتد الى قرون… وقبل ان يكون الشعب مهيئاً للسير في دربها الشيّق والشاق…

هكذا حكاية بلد … العراق

وهكذا حكاية عائلة تختزل معانات الشعب هنالك. وقد رحلت كما رحل العديدون مثلها، لا بل قد اجبرت على الخروج بعد معركة “ام المعارك” والديمقراطية المغلفة بصيغة صنع في أميركا made in USA.

وائل كوتا شاب في مقتبل العمر – وهو اليوم أربعة عشر ربيعاً، كان على مدار السنوات الخمس الماضية مواظباً مع والديه واشقائه على حضور صلوات الاحد وعلى خدمة الهيكل في كنيسة دي لا سال في الاردن،  لم يكن يتعلم طوال الفترة السابقة سوى بعض دروس في بعض مدراس خاصة، لكنه يتمتع بشخصية متزنة تحب العراق- كما أحب الاردن، بلده الثاني،  وتحب الله وتتعبد له بحكم ارث طويل وحضور مسيحي عربي زاهر في العراق وكان بغزارة انتاجه الفكري والروحي من اجود الجماعات المسيحية الواعية لايمانها والأمينة لمجتمعها ولكنيستها وتعاليمها، وأيضاً بانفتاحها ومحبتها – الصادقة – نحو الاخر – الديني ، اي نحو المسلم الشريك بالحضارة وبالألم والمعاناة . ولكنّ ضريبة “الديمقراطية” جعلت بعض افراد وفئات من هذا الشريك تتحول الى كبريت – فتحرق وتهجر وتجبر على جعل العراق ولاية دينية لطرف دون الاخر. هذا ما حصل في كنيسة سيدة النجاة التي كان وائل يخدم فيها الهيكل ويتعبد في محرابها.  

وقبل ايام يأتي وائل ويقول بعينين دامعتين، تمتزج فيهما دمعة فرح مع دمعة حزن، فرح لانه سيخط لنفسه مستقبلاً جديداً في السفر – أي الهجرة – الى بلاد اميركا ذاتها التي حلت ضيفة ثقيلة الدم على بلده، ونهبت خيراته، وهجرت سكانه الاصليين، لكنه مجبر على الفرح في هذه الظروف، لانه يعتبر ان الحلم حق شرعي له ولإخوته الصغار، وهو يحلم بإكمال دراسته وتعليمه، لا ان يبقى هنا – لا هو معلق ولا هو مطلق – كما يُقال. لكن الدمعة في عيني وائل وفي عيني كل افراد العائلة هي كذلك دمعة وفاء لأردن الخير النبيل الذي احتضنه واحتضن اهله، كما احتضن على مدار عقدين من الزمن ، عشرات الالوف من ابناء وطنه الغالي – العراق، وهي دمعة حزن على فراق اصدقاء له اردنيين وعراقيين … جمعته الايام معهم هنا في عمّان عاصمة الوفاق والاتفاق.

ودّعت وائل بكلمات تشجيع، كما ودعت عديدين قبله…. لكنّ هذه المعاناة الصامتة لشعب العراق الأصيل وللمسيحيين فيه، تقول بأنّ الهجرة قد اكلت الاخضر واليابس، ولمّا كان ” الحبل على الجرار ” والعديد من العائلات ما زالت تنتظر دورها على بوابات سفارات الغرب للخروج من الشرق… فانّ ما نقوم به وتقوم به منظمات عالمية من حوارات ومؤتمرات حول مسيحي الشرق هو باطل ولم يعد يجدي نفعاً. فما نفع ان نناقش الحضور المسيحي في الشرق، وهو ينسحب تدريجياً من بلد كالعراق، ومن فلسطين ومن سائر بلدان الشرق. مؤلم هذا الواقع… مؤلم وداع وائل وعائلته – مؤلم انه مستمر… ومؤلم ان العالم يتفرج ويكتفي ببعض مؤتمرات هنا وهناك .

وائل اليوم في أميركا… يبدأ مع عائلته حياة جديدة، يبدأ من نقطة الصفر…

ونحن منهمكون في التنظير حول مسيحيي الشرق …

سلام لك يا وائل  وسلام لأهلك الطيبين …

Abouna.org@gmail.com

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير