ثانيًا: أناجيل الطفولة (المنحولة)
لقد أشرنا في القسم السابق من المقالة أنه يمكننا أن نميز إجمالاً بين نوعين من الكتابات المنحولة. وقلنا أن القسم الأول ينبع من نية تقوية تود أن تكمل الأناجيل القانونية بمعلومات يود الفضول العام والتقوى الإيمانية لو كانت متوفرة. أناجيل طفولة يسوع تنصب إجمالاً في إطار هذه الكتابات. فهي قلما تقدم أفكارًا تتضمن أخطاءً لاهوتية. جل ما تود تقديمه هو أفكار، مخيلات وصور للتعويض عن الإيجاز والجوهرية التي تتميز بها الأناجيل القانونية. سنستعرض أولاً بعض مكنونات هذه الأناجيل ثم نعلق عليها لاحقًا.
إنجيل طفولة يسوع المنسوب ليعقوب
لعل أشهر هذه الأناجيل المنحولة الكتاب المعروف باسم “إنجيل الطفولة المنسوب ليعقوب”. عُرف هذا الكتاب في التقليد بأسماء عدة منها “كتاب يعقوب” (هكذا عرفه أوريجانوس)، “كتاب ميلاد مريم” (بحسب عنوان مخطوط بودمر 5)، أو “مولد القديسة مريم التي ولدت يسوع” (بحسب مخطوطات يونانية).
يهدف الكتاب إلى تعريف القارئ بحياة مريم العذراء من الحبل بها إلى مولدها، من طفولتها إلى زواجها مع يوسف، وصولاً إلى ميلاد يسوع البتولي. ويتضمن الإنجيل إشارات إلى زيارة المجوس، اضطهاد هيرودس ومجزرة الأطفال الأبرياء. وعليه فإن مراجع “إنجيل طفولة يعقوب”، الذي يتم تأريخ كتابته بين سنة 150 و 200 يعتمد في مواده الأولية على الأناجيل القانونية وبشكل خاص متى ولوقا.
يأتي الإنجيل كجواب ضد من تطاول على بتولية مريم العذراء وطهارتها فيقدم بشكل مفصل أهم محطات حياة مريم مبينًا أنها كانت طاهرة ومحروسة منذ البدء وحتى النهاية.
يبدأ الإنجيل متحدثًا عن الإذلال الذي خبره يواكيم أب مريم العذراء لأنه، إذ ذهب لتقدمة بواكيره للرب يقوم شخص اسمه روبن بمنعه عن ذلك لأنه “لم يقدم خلفًا في إسرائيل”. وبعد أن نظر إلى سجل أبناء إسرائيل رأى أن كل الأبرار خلفوا ذرية، ولذا حزن جدًا وذهب إلى الصحراء أربعين يومًا وليلة. وتتعرض زوجته حنة لإذلال مماثل من قِبل خادمتها. هذا ورفعت حنة صلاتها للرب وبعد ذلك جاءها جواب من ملاك الرب قال لها: “حنة، حنة! لقد سمع الرب صلاتك. سوف تحبلين وتلدين، وسيتم الكلام في الأرض كلها عن ذريتك”. وأقسمت حنة أنها إذا خلفت ستقدم ثمرة بطنها للرب “لكي تخدمه كل أيام حياتها”.
الأمر المذهل في مطلع هذا الإنجيل هو أنه يقدم الحبل بمريم كحبل بل زرع رجل. فالملاك يذهب إلى الصحراء ويعزي يواكيم قائلاً له (بالماضي) أن امرأته قد حبلت. نسرع فنقول أن هذا ليس تعليم الكنيسة بشأن الحبل بلا دنس بمريم العذراء. الكنيسة تعلم أن مريم العذراء حُبل بها كباقي البشر من خلال قران أبيها وأمها، إلا أن نعمة الرب حفظتها منذ الحبل بها من الخطيئة (الأصلية والشخصية) كاستباق لنعمة المسيح.
ولما وُلدت مريم أقسمت أمها: “حي هو الرب إلهي، أٌقسم أنك لن تسيري على هذه الأرض قبل أن أحملك إلى هيكل الرب”. ولم يُسمح لمريم أن تلمس بيدها أي نجس وعند تمام السنة من العمر حملها والداها إلى الهيكل وقدماها للكهنة.
ثم يتابع الكتاب أنه عندما أتمت مريم الثانية من العمر قالت لأمها: “خذيني إلى الهيكل لكي نتمم نذرنا للرب”، ولكن الأم دعتها للتروي حتى الثالثة من العمر. وهكذا كان “وعاشت مريم في هيكل الرب كيمامة، وكان تتلقى طعامها من يدي ملاك”.
وعندما أتمت مريم الخامسة عشرة من العمر اجتمع الكهنة وقرروا أن مريم ستكون زوجة من سيختاره الرب بأعجوبة. وكانت الأعجوبة أنه لما جمع رئيس الكهنة عصي الرجال وصلى طالبًا علامة. ولما خرج لم يكن هناك أية علامة. إلا أنه لما أعاد العصي لأصحابها، وبينما كان يعيد ليوسف عصاه “خرجت من العصا يمامة وحلت على رأس يوسف” وعندها قال له رئيس الكهنة أن الرب اختاره لكي يأخذ إلى بيته “عذراء الرب”.
اعترض يوسف قائلاً: “أنا لدي أولاد وأنا عجوز، بينما هي فتاة شابة”. ولكن رئيس الكهنة دعاه إلى مخافة الرب وإطاعته.
هذا ويخبر كتاب يعقوب البشارة بشكل قريب من الأناجيل، وكذلك أيضًا زيارة مريم لأليصابات، ويتحدث بشكل مسهب أكثر عن شك يوسف. ويبتكر حوارًا وجدلاً بين مريم ويوسف بشأن الحبل، إلى أن حل الملاك بالرؤيا شك يوسف.
ويخبر النص عن العجائب التي رافقت مولد يسوع فها يوسف يذهب لإحضار قابلة لإيلاد يسوع في بيت لهم وبينما هو يمشي نظر إلى السماء فإذا بها لوحة جامدة وحتى العصافير في السماء جامدة في مكانها. وكذلك الأمر على الأرض. فجميع البشر كانوا جامدين، وكذلك الأغنام. وكل الأمور كانت جامدة إلا القابلة التي التقى بها. ويجري حوار بينه وبينها فتسأله عما إذا كانت مريم زوجته فيقول: “إن مريم قد تربت في الهيكل. ورغم أنها اختيرت لتكون زوجتي، إلا أنها ليست زوجتي عمليًا، لأنها حبلت من الروح القدس”.
وبعد ولادة يسوع تأتي صالومة وتفحص بيديها عذرية مريم لأنه بحسب قولها “هناك جدل كبير حول مريم”. وبعد أن تلمس لمس اليد بتولية مريم تتوب إلى الرب. (فلنقارن بين هذا السرد وبين حشمة النصوص القانونية).
(يتبع)