ننشر في ما يلي الكلمة التي وجهها البابا فرنسيس يوم الأربعاء 20 مارس الى الممثلين عن الجماعات الكنسية والهيئات المسكونية الدولية والديانات غير المسيحية الذين استقبلهم في قاعة كليمنتينا في الفاتيكان.
***
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
أود قبل كل شيء أن أشكر من صميم قلبي أخي أندراوس على الكلمة التي ألقاها. شكرًا جزيلًا! شكرًا جزيلًا.
إن لقائي اليوم معكم، أنتم ممثلو الكنائس الأرثوذكسية، والكنائس الأرثوذكسية الشرقية، والجماعات الكنسية في الغرب، هو مصدر بهجة خاصة. أنا أشكركم لأنكم أردتم المشاركة بالاحتفال الذي شكل علامة لبداية خدمتي كأسقف لروما وخليفة بطرس.
صباح أمس، في القداس الإلهي، شعرت من خلالكم بالحضور الروحي للجماعات التي تمثلونها. في إعلان الإيمان هذا، ظهر لي أنه يجب علي أن أكثف الصلاة للوحدة بين المؤمنين بالمسيح، ولنرى معًا بطريقة معينة، تحقق هذا الهدف الذي يعتمد على مشروع الله وتعاوننا الأمين.
أبدأ خدمتي الرسولية في هذه السنة التي أعلنها سلفي بندكتس السادس عشر سنة الإيمان للكنيسة الكاثوليكية. مع هذه المبادرة، التي أرغب مواصلتها والتي آمل أن تصبح مصدر إلهام لمسيرة إيمان الجميع، أراد أن يميز الذكرى ال50 لافتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني، مقدمًا نوعًا من الحج نحو ما يمثل الأساس لكل مسيحي: العلاقة الشخصية والمحولة مع يسوع المسيح، ابن الله، الذي مات وقام لخلاصنا. تكمن رسالة المجمع في الرغبة بإعلان كنز الإيمان، الصالح الى الأبد، للبشر في عصرنا.
معكم، لا أستطيع أن أنسى كل ما عناه هذا المجمع للمسيرة المسكونية. أود أن أذكّر بكلمات الطوباوي يوحنا الثالث والعشرين الذي سنحتفل عما قريب بالذكرى ال50 لرحيله، حين قال في خطابه الافتتاحي: “ترى الكنيسة الكاثوليكية أنه من واجبها أن تبذل كل جهودها لكي يتحقق السر الكبير لهذه الوحدة التي طلبها يسوع المسيح في صلاته للآب السماوي مع اقتراب صلبه؛ كما أنها تشعر بالسلام لأنها تعلم بأنها متحدة بالمسيح في صلواتها.” (AAS 54 [1962], 793). هذا ما قاله البابا يوحنا.
نعم أيها الإخوة والأخوات، فلنكن جميعًا متحدين بصلاة مخلصنا خلال العشاء الأخير ولدعوته بأن: نكون واحدًا. لنطلب من الآب الرحوم أن نعيش هذا الإيمان الذي حصلنا عليه كهدية في يوم معموديتنا، وأن نعطي شهادة حرة وفرحة، وشجاعة. ستكون هذه أفضل خدمة نقوم بها لقضية الوحدة بين المسيحيين، خدمة رجاء في عالم يتسم الى اليوم بالإنقسامات، والمعارضات، والخصومات. كلما كنا أمينين لإرادته في أفكارنا، وكلامنا، وأعمالنا، كلما مشينا بشكل حقيقي وكبير نحو الوحدة.
من جهتي، أود أن أؤكد، على غرار أسلافي (الأحبار الأعظمين السابقين)، على إرادتي الثابتة على الاستمرار في مسيرة الحوار المسكوني كما أشكر المجلس الحبري لتعزيز الوحدة بين المسيحيين، للدعم الذي سيستمر في توفيره لهذه القضية الهامة جدًّا. أسألكم، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أن تحملوا تحيتي الودية، الى الكنائس والجماعات المسيحية التي تمثلونها هنا، وتؤكدوا لها أنني أذكرها بصلاتي الى الرب يسوع، كما أنني أطلب منكم بأن تتلوا صلاة خاصة لي، بحيث يمكنني أن أكون راعٍ بحسب قلب المسيح.
أتوجه الآن إليكم، الى ممثلي الشعب اليهودي المحترمين، الذي تربطنا به علاقة روحية مميزة،بدءًا من اللحظة التي،كما يؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني، “تعترف كنيسة المسيح بأن بدايات إيمانها واختيارها تتواجد، بحسب سر الخلاص الإلهي، عند الآباء، وموسى، والأنبياء.” (Decl. Nostra aetate, 4). أشكركم على حضوركم، وأنا متأكد أنه مع مساعدة العليّ، يمكننا أن نستمر في هذا الحوار الأخوي الذي أراده المجمع (راجع المرجع عينه)، والذي تحقق فعليًّا، حاملًا ثمارًا كثيرة، بشكل خاص خلال العقود الأخيرة.
أحييكم جميعًا وأشكركم بحرارة، أيها الأصدقاء الذين تنتمون الى تقاليد دينية أخرى؛ أولا المسلمون، الذين يعبدون إلهًا واحدًا، حيًّا، رحيمًا، ويدعونه بالصلاة، وثانيًا أنتم جميعًا. أقدّر كثيرًا حضوركم: فأنا أرى فيه علامة ملموسة على الرغبة في النمو في الاحترام المتبادل والتعاون لخير البشرية المشترك.
تعي الكنيسة الكاثوليكية أهمية تعزيز الصداقة والاحترام بين الرجال والنساء من مختلف التقاليد الدينية- وأود أن أكرر: تعزيز الصداقة والاحترام بين الرجال والنساء من مختلف التقاليد الدينية. وهذا يتجلى أيضًا في العمل القيّم للمجلس الحبري للحوار بين الأديان. الكنيسة تعي تمامًا المسؤولية التي نحملها تجاه العالم، والخليقة جمعاء، التي يجب علينا أن نحبها ونحميها. ويمكننا أن نفعل الكثير لخير الفقير، والضعيف، والذي يعاني، لكي نعزز العدالة، والمصالحة، لنبني السلام. ولكن قبل كل شيء، يجب أن ندع التعطش للمطلق حيًّا في عالمنا، من دون أن ندع رؤيا الكائن البشري المبنية على بعد واحد تهيمن، فوفقًا لها يتخذ الإنسان حجم ما ينتجه وما يستهلكه: هذه واحدة من أخطر المعاثر في عصرنا.
نحن نعلم كم العنف الذي شنّ في التاريخ الحديث في محاولة لإلغاء الله والألوهية من أفق البشرية، ونحن نرى في مجتمعاتنا، قيمة الشهادة للانفتاح الأصلي على السمو، التي هي متأصلة في قلب الإنسان. في هذا، نشعر بأننا على مقربة كبيرة من أولئك الرجال والنساء، الذين ولو أنهم لا ينتمون الى أية تقاليد دينية، هم مع ذلك في بحث عن الحقيقة، والخير، والجمال، حقيقة الله، وطيبته وجماله حلفاؤنا في الالتزام بالد
فاع عن كرامة الإنسان، وفي بناء تعايش سلمي بين الشعوب، وفي حماية الخليقة.
أيها الأصدقاء الأعزاء، شكرًا على حضوركم. أقدم لكم جميعًا تحياتي الودية والأخوية.
***
نقلته الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية