جسر راتزنغر: العبور إلى حقبة ما بعد الفاتيكاني الثاني (1)

قراءة نسكية في استقالة بندكتس السادس عشر

Share this Entry

مقدمة

اليوم، وقد بات لنا “حبرا رومانيا” جديداً هو قداسة البابا فرنسيس، يمكننا إنجاز قراءتنا بالروح القدس في العبور من زمن الفاتيكاني الثاني إلى زمن ما بعد الفاتيكاني الثاني على الشكل التالي:

إننا، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين لافتتاح الفاتيكاني الثاني، والمئوية السابع عشرة لـ “إعلان ميلانو” على يد الملك قسطنطين (313)، وإعلان هذه السنة كسنة للإيمان، وافتتاح زمن الكرازة الإنجيلية الجديدة، نؤكد أن تعاقب البابوات من يوحنا الثالث والعشرين ولغاية اليوم ليس عرضياً ولا موجّهاً من البشر. إنه بالأحرى مرتبط بروح الفاتيكاني الثاني ونصّه وموجّه من قبل الروح القدس البارقليط كما أنبأنا المسيح (يو 14، 26). عليه، هل يحق لنا اعتبار تنحّي بندكتس السادس عشر جسر العبور من حقبة الفاتيكاني الثاني إلى حقبة ما بعد الفاتيكاني الثاني؟

كل شيء بدأ مع تنحّي بندكتس السادس عشر

ما إن يضع الإنسان ذاته على حافة الواقع البشري، أي عند الرصيف ما بين الإنساني والإلهي، حتى تسقط الألقاب. هكذا، جرّد جوزيف راتزينغر نفسه من كل لقب واستعاد الاسم الذي أطلقه عليه أهله وخصّه الله به، في سجل الحياة، منذ ولادته (رؤ 12، 23). لقد أعلن جهارة بإنه لا يرغب بعد الآن إلا أن يكون عابداً للصليب. لقد شاء أن يتحوّل إلى صفوف كبار “المتزهّدين” في الكنيسة. “سقطت حبّة الحنطة وماتت” و”خسر بندكتوس نفسه من أجل الملكوت” ولا يمكن أن تكون هذه الخطوة اعتباطية وخاضعة لمقاييس بشرية. إنها لإهانة للروح القدس بأن لا نقرأ فيها علامة من أهم علامات الزمن.

·        جوزيف رتزينغر والطاقة الإلهية

لقد تشرّب بندكتس السادس عشر من الطاقة الإلهية ما يكفي لكي يشتعل بنارها. إنه كفراشة الليل التي تدور حول القنديل، مصدر الطاقة التي هي منه. راح يقترب أكثر فأكثر من فتحة مصدر تلك الطاقة المقدسة ليستفيد من نورها وحرارتها إلى أقصى حدّ. ولكنه كإنسان حَكَمهُ التردّد إلى حين خوفاً من احتراق جناحيه وفقدان ذاتيته، عاد في ملء زمن لم يحدّده هو، وقرّر، كما نلاحظ في حالة الفراشات الليلية تلك، أن يقوم بالخطوة القصوى، ألا وهي بأن يسلّم جناحيه للنار وأن يتحوّل إلى أثير في قلب القنديل، ويصبح “ناراً” من “نار”، و”نوراً” من “نور” ويقتحم المشاهدة المجيدة لوجه الآب. (يو 14: 8)

 إنها بادرة الحب القصوى التي لا يقدر عليها إلا الذين لَمَسهم الحب الإلهي. القديس شربل شاهد على ذلك، وماء قنديله الذي تحوّل إلى مادة مشتعلة هو الإثبات الدامغ على قوّة الحب. هكذا، ينتهي البابوات العظام في المسيح. إنه لفي أحداث مماثلة، تستمر أعجوبة التحوّل والاستحالة الجوهريّين في الإنارة والتدفئة وجعل كل شيء جديداً (رؤ 21، 5).

(يتبع)

Share this Entry

الأب ميشال روحانا الأنطوني

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير