(ج)
يرجى مراجعة الجزء الخامس (ب)
سنرى في هذه الحلقة الأخيرة من الجزء الخامس ج ، ردّ مجمع أفسُس بخصوص ما ذكِرَ سابقا. وبعدها ننتقل لجزء آخر .
ما هو ردّ الإيمان المسيحيّ على خطاب نسطوريوس اللاهوتيّ ، وعلى الإيمان المتضمّن ؟
كيفيّة قراءة الكتاب المقدّس : ” الكلمةُ صار جسدًا ” يوحنا 1 : 14 .
هذا ما استندَ عليه مجمع أفسس ، وكان بمثابةِ المحور كلّه في الردّ على إدعاءات نسطوريوس . كيف ؟ لنحلّل ذلك:
أ – إتحاد الكلمة / يسوع
عندما يقول يوحنا : ” الكلمة صار جسدًا (بشرًا) ، يقصد أنّ الكلمة “صار” إنسانا ، أي أصبح بشرًا حقا ، لا أنهُ قد إقترنَ بإنسان ٍ خارج ٍ ومستقلّ عنه ، له كيانه بمعزل ٍ عنه . فلم يكن يسوع مستقلا عن الكلمة أولا ، ثمّ إتحد أو إقترنَ باليونانيّة sunapheia ” الكلمة بهِ ، بل ” حُبلَ بيسوع ووُلِدَ متّحدا من البداية بــ ” الكلمة ” ، اللوغوس (أي لاهوت وخطاب تصاعديّ) ، أو أصبحَ الكلمة منذ الحَبل به ، إنسانا (لاهوت وخطاب تنازليّ ) .
وهناكَ آياتٌ ونصوصٌ صريحة تُبيّن ذلك : تقولُ الرسالة إلى العبرانيّين إنه ” شاركنا في اللحم والدم ” عبر 2 : 14 ، فإنها تعني الحقيقة عينها . إنّ الله الكلمة نفسُه ” شاركنا ” ، وأصبحَ شريكنا باللحم والدم تمامًا ، أصبح إنسانا كاملا .
ويقول القدّيس بولس الشيء نفسه ، عندما يصرّح أنّ الآب ” أرسلَ إبنهُ مولودًا من إمرأة ” غلاطيّة 4:4 . إنّ إبن الله نفسه ، وُلد من إمرأة ، لا يسوع الإنسان فقط ، بل إبن الله الوحيد ، كلمة الله الأزليّّ.
وكذلك نقرأ في روميّة 1 : 3 ، حيث وردَ أنّ الآب ” أرسل إبنهُ من نسل داود بحسب الجسد ” ـ إبن الله نفسه أصبحَ من نسل داود ، وأصبحَ ذا جسد ٍ .
وأيضا يقول الإنجيليّ لوقا الكلام عينه ، ولكن في خطاب ٍ وأسلوب تصاعديّ ، عندما يضعُ على لسان الملاك : ” إنّ الطفل يكونُ قدّوسا ، وإبن العليّ يُدعى ” لوقا 1 : 35 . إذن ، هذا الطفلُ هو قدّوس الله وإبن الله .
كلّ هذه النصوص والشواهد الكتابيّة ، تُظهر لنا ” إتحاد ” الكلمة الأزلية بيسوع إتحادًا لا يقبلُ أيّة تجزئة أو إنقسام أو إنفصال ، وذلك منذ اللحظة الأولى من الحَبَل ، بل منذ إرسال الله إبنه (الكلمة).
ب – كلام يسوع نفسه ، يُثبت ذلك ( ومن يشكُّ في الإنجيل المقدّس ويعتبرهُ محرّفا ومتلاعبًا به ، فالأجدر به أن يتابعُ هذه المواضيع والحلقات ) ؛ لا يفصل يسوع بين ألوهيّته وإنسانيّته عندما يتكلم . ففي قولهِ مثلا : ” قبل أن يكون إبراهيم أنا هو ” يوحنا 8 : 58 (للعلم : أنا هو Ego eimi هو الإسم الذي أطلقه يهوه على نفسه ، عندما تراءى لموسى ودعاه) ، نرى أنّ يسوع الذي يتكلّم ” بشريّا “، يعتبر نفسه الله . ويسوع نفسه يتحدّث عن ” ما رأيته عند أبي ” يو 8 : 38 (فعل رأى = المعرفة الطوباويّة الجوهريّة وليس مجرّد معرفةٍ ماديّة صوريّة ) ، ” وما سمعتهُ من أبي ” يو 8 : 4 ، فإنه لا يفصلُ ، بل لا يميّز ، في مثل هذه الأقوال ، بين الله والإنسان فيه . كذلكَ عندما يقولُ ” أنا والآب واحد ” يو 10 : 30 ، أو ” من رآني فقد رأى الآب ” يو 14 : 19 .. وغيرها كثيرٌ ، ويكفي أن نتابع ونقرأ الإنجيل ، لنرى حقيقة يسوع المسيح ووحدته من الله .. ( الإناجيل الإزائيّة نقدر أن نقول هي تصاعديّة ، وإنجيل يوحنّا تنازليّ )
كلّ كلامه هذا ، لا يقبلُ أيّ إنفصال بين كونه إبن الآب وإبن الإنسان ، وأنه لم يقل مثلا : من رأى ألوهيّتي ، أو بنوّتي ، ولكن (من رآني أنا ) ، أو لم يقلْ ” الإلهُ الذي فيَّ والآب هما واحدٌ ” ، بل (أنا).
ج – الإعلان الأوّل عن يسوع المسيح
الإعلان الأوّل كان من تلاميذه ، نرى الرسول بطرس يخطُب قائلا : ” إنّ يسوع الناصريّ ، قد أقامهُ الله ، يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم ، قد جعلهُ الله ” ربّا ومسيحًا ” (رسل 2 : 21 – 36 ). ففي هذا الخطاب الصاعد ، نرى أنّ يسوع الناصريّ هو ، الربّ والمسيح والديّان ، وليس الإله الذي فيه هو الربّ والمسيح والديّان ! بل يسوع الإنسان نفسه .
إذن ، نستخلصُ في كلّ ما ذكر ، أنّ يسوع المسيح كائنٌ واحدٌ ، لا كائنان . هو ، في الوقت نفسه ، إبن الآب وإنسان ، وهو الإلهُ المتجسّد الخاضعُ للآلام والموت . وهذا ما يخالف تمامًا إيمانَ نسطوريوس الذي رفض أن يكون ” الكلمة ” قد حدث له ما حدث ليسوع في حياته الأرضيّة الإنسانيّة ، وأن يكون ما يخصّ إنسانيّته ، يخصّ ألوهيّته أيضا .
في النهاية أقول : ويجبُ أن يكون التعبير دقيقا ، فلا نقول : إنّ الألوهيّة أو جوهر الله قد تألّم ومات (فهاتان العبارتان مجرّدتان ) ، بل إنّ الله – الكلمة – الإبن الوحيد ، إبن الله ، الله الإنسان ، قد تألّم ومات (فهذه تعابير عينيّة ) . وهكذا نكونُ أمناءَ للكتاب المقدّس ولحيرتنا الكبيرة التي تدوّخنا ودوّخت الكثيرين ! .. فلم يتألّم ويمتْ الإنسان فقط ، بل الله الإنسان ، يسوع المسيح كاملا ، لاهوتهُ لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين ٍ (كما يقول الإعتراف الإيمانيّ في القدّاس الباسيلي القبطيّ).