ما هي دعوتي؟ (2)

انطلق نحو ذاتك

Share this Entry

الإنسان بجوهره كائن يبحث عن ذاته: من أنا؟ لم أعيش؟ لماذا أنا أنا ولست آخرًا؟ ما هي الغاية من وجودي؟ الشباب هو زمان الإقدام الذي نصغي فيه لهذه الأسئلة. هو الزمن الذي نقوم فيه بخيارات شجاعة في هذا الصدد. فالقلب الشاب والأصيل يذهب بصدق وعفوية نحو مناهل المعنى والأصالة. هذا الشباب يضيع أحيانًا (وربما غالبًا) بُوصلته فيصغي إلى حلول جزئية تجعله يكتفي بأشباه أجوبة على أسئلته العميقة. ويحدث أحيانًا أن من أصغى لهذه الأسئلة في صباه، يبدأ بتجاهلها وبتهمشيها مع الكبر، وهنا يضحي القلب مسنًا وعجوزًا!

ما يحدث في قصة إبراهيم هو أن إلهًا “شابًا” يوقظ هذا الشيخ المُسن ويوجه له دعوة للخروج: “انطلق” (تك 12، 1). الكلمة في العبرية “لِكْ لِكَ” لها معنى آخر هام: “انطلق نحو ذاتك”. سنتأمل بهذا المعنى الثاني، غير المشهور، لكي نعود في ما بعد للتأمل بمعنى “انطلق” التقليدي.

“لكْ لكَ”، “انطلق نحو نفسك”. إلى ذلك الرجل الذي يعيش نوعًا من لعنة شخصية، زوجية وجماعية بسبب العقر، يوجه الرب نداء الرجوع إلى الذات، الرجوع إلى حقيقته. وقد قدم التقليدان العبري والمسيحي صفحات غنية حول معنى هذا الرجوع إلى الذات في المسيرة الروحية. فأندريه شوراكي، مثلاً، وهو مفكر عبري هام من القرن الماضي، يشير إلى “انطلق إلى ذاتك” آخر موجود في سفر نشيد الأناشيد (2، 13) حيث يقول النص: “قومي يا خَليلَتي، ياجَميلَتي، وهَلمُيِّ (لكِ لك)”. يعلق شوراكي على هذا النص هكذا: “قومي: على العروسة أن تستيقظ أن تنهض، لأن الحب سلب منها النوم. يجب أن تخرج من الهمود، من الكسل. والأمر مُطلق”[1].

هذا النداء الحثيث الموجه إلى العروسة يردد صدى الدعوة الأولى الموجهة إلى إبراهيم والتي تدعو النفس الحبيبة إلى “انطلاق مُطلق، لا إلى نقطة وصول”. فالله يدعو النفس العروس “للاستيقاظ، للقيامة، لانطلاق يسمح للمحبوبة أن تجد نفسها وأن تجد مصيرها، أن تجد محياها في انعكاس وتحقيق الحب المطلق”[2].

[1] A. Chouraqui, Il Cantico dei cantici e introduzione ai salmi, Città Nuova, Roma 1980, 93.

[2] Ibid., 94.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير