عام 2012، وفي محاضرة غير منشورة، شرح رئيس أساقفة بوينس أيريس آنذاك الكاردينال برغوليو المعنى الداخلي لـ”لاهوت الشعب”، مشدّداً على “إيمان شعبنا المتواضع” وعلى كون التقوى الشعبيّة نقيض العلمنة المنتشرة في مجتمعاتنا العصريّة. لكن الآن، ولأوّل مرّة استُعمِلت هذه المحاضرة كمقدّمة لنسخة نُشرت بالإيطالية تحت اسم “مقدّمة للاهوت الشعب” للّاهوتي الأرجنتيني سيرو أنريكي بيانكي، وهو تلميذ فيكتور مانويل فرنانديز، عميد “الجامعة الكاثوليكية في الأرجنتين” وأحد المتعاونين مع الأب الأقدس. وقد نشر موقع catholicnewsagency.com مقالاً لأندريا غالياردوتشي شرح فيه أنّ الكتاب صورة عن المفكّر الأرجنتيني رافاييل تيلو الذي يُعتبر من مؤسّسي “لاهوت الشعب”. وهذا اللاهوت المُرتكز على ثقافة الناس وتكرّسهم لروحانيّتهم وحسّ العدالة كان رائجاً في الأرجنتين كبديل عن لاهوت التحرّر الراديكالي، الذي بدوره كان يتطلّع إلى الماركسيّة.
من ناحيته، كان الكاردينال برغوليو قد كتب أنّ أميركا اللاتينية معروفة بفقرها ومسيحيّتها المتمثّلة بأشكال التقوى العديدة، كالمسيرات وصلوات المساء، إضافة إلى الصلوات العامة. وقد شرح أنّ هذا المفهوم تطوّر على مرّ السنوات، إذ انتقل من “ديانة شعبية” إلى “تقوى شعبية”، ليصل إلى تسمية “الروحانيّة الشعبيّة” بحسب وثيقة أباريسيدا التي تعود إلى سنة 2007. تجدر الإشارة إلى أنّ أباريسيدا كانت مقرّ المؤتمر الخامس لأساقفة أميركا اللاتينيّة، وقد عالجت وثيقتها الأخيرة المشاكل التي تواجهها الكنيسة هناك، بناء على أعمال التبشير.
وبالنسبة إلى الأب الأقدس، “إنّ الروحانيّة الشعبيّة هي السبيل الذي قاد عبره الروح القدس، وما زال يقود الملايين من إخوتنا”، وهذا ما تمّ الاعتراف به أيضاً في أباريسيدا. واستذكر البابا أنه قبل أربعة أيام على التصويت الأخير على المسوّدة، كان هناك 2400 تعديل وجب أن يُحلّ قبل انتهاء المهلة. إلّا أنّ الفصل المتعلّق بالروحانيّة الشعبية “خضع لملاحظتين أو ثلاث ثانويّة”. فما كان من اللجنة إلّا قول “هذه إشارة” للأساقفة المشاركين في المؤتمر. في سياق متّصل، اعتبر الكاردينال برغوليو أنّ “التقوى الشعبيّة تتأتّى من ذاكرة الشعب. وكما فضّلت الكنيسة الكاثوليكيّة الميل نحو الفقراء، يجب أن نصل إلى معرفة طريقتهم الثقافيّة في عيش الإنجيل وتقديرها”.
في النهاية ودائماً بحسب مقال غالياردوتشي على موقع catholicnewsagency.com أكّد الكاردينال برغوليو أننا “عندما نقترب من الفقراء لنرافقهم، نفهم أنّهم يعيشون حياتهم بشكل يتجاوزون فيه الصعوبات اليوميّة، كون مبدأ الاستهلاكيّة لم يطوّقهم. فحياتهم تسمو إلى شيء أبعد من هذه الحياة. وهم في فترة عيشهم يعتمدون على “شخص واحد”، لذا يجب إنقاذ هذه الحياة. هذا ما اكتشفناه في أعماق شعبنا، حتى لو لم يكن هو قادراً على التعبير عن ذلك”.