Time clock

Robert Cheaib - https://www.flickr.com/photos/theologhia

ما معنى أن نجتهد لنعيش الحاضر؟ أليس أمرًا بديهيًا؟

ما هي دعوتي (13)

Share this Entry

نظن أن عيش الحاضر هو أمر بديهي، سهل، طبيعي ينساب بشكل تلقائي، ولكن الواقع مغاير لهذه الفكرة. عيش الحاضر يعني أن  نجتهد لنعانق كياننا وحياتنا. كم من المرات نغلق بابًا، ثم نعود أدراجنا لنتأكد أننا أغلقناه؟ أو نطفئ الشعلة تحت طبخة، ونرجع بعد أقل من دقيقة لنتأكد إذا ما فعلنا ذلك؟ أو نتعرف على شخص ويقول لنا اسمه وبعد ثوانٍ لا نذكر ما سمعنا؟ هذه البوادر البسيطة والتي قد تَظهر سطحية تعبّر عن أننا مرات عدة لسنا في ما نفعله. نجتاز حياتنا مرات عدة كسواح يضيّعون الوقت في التقاط صور للحظات لم يعيشوها. يجب أن نذكر، بحسب كلمات شيزاري بافيزي، أن “العيش هو أن نباشر العيش، دومًا، في كل لحظة”[1].

خبرة الحضور في حياتنا هي بعد روحي عميق لا يرتبط فقط بالدين بشكل حصري، هو جزء من الانتباه الشخصاني الذي يجب أن يميز وجودنا الواعي. فلنذكر كلمات مؤسس “آبل”، ستيف جوبز، في خطابه أمام خريجي ستانفورد في عام 2005. كان جوبز قد خرج من أول فترة من صراعه ضد السرطان، وفي النصائح التي قدمها للتلاميذ اعترف أنه يروّض نفسه دومًا على عيش الانتباه تجاه قصر الحياة وهشاشتها كحافز للقيام بخيارات هامة: “أن أذكر أنني سأموت قريبًا لهو أثمن وسيلة لكي أقوم بخيارات كبيرة في حياتي”.

في البوذية أيضًا نجد هذا الانتباه إلى اللحظة الحاضرة. ثيك نهات هانه يتحدث عن “أعجوبة الحضور الفكري”[2]. نحن في صدد الوعي الذي يتحدث عنه اليسوعي أنطوني دي ميلّو. يخبرنا اليسوعي الهندي قصة باتت مشهورة عن والد يأتي إلى غرفة ابنه ويقرع الباب ويقول:

“يا جاك، استيقط”.

يجيبه ابنه بصوت يُظهر أنه كان ما يزال نائمًا: “لا أريد أن أستيقظ، بابا”.

يرفع الأب صوته: “قلت لك استيقظ، يجب أن تذهب إلى المدرسة”.

– لا أريد أن أذهب إلى المدرسة.

– لم لا؟

– لأسباب ثلاثة. أولاً لأن المدرسة مملة؛ ثانيًا لأن الأولاد الآخرين يستهزؤون بي؛ ثالثًا، لأني أكره المدرسة.

وعندها أجابه الوالد بصوت حازم: حسنًا، جاء دوري. سأعدد لك ثلاثة أسباب للذهاب إلى المدرسة. أولاً، لأن ذلك واجبك؛ ثانيًا لأن عمرك 45 سنة؛ ثالثًا، لأنك المدير!” [3].

عيش الحاضر هو نوع من الوحي! وحي يبيّن لنا بركة اليوم الحاضر، بركة نشعر بها بالرغم من كل الظلال. فحتى قدرة أن ندرك الشرور والمصاعب والأمور التي ليست على ما يرام هي بركة. هي خير صعب، ولكنه خير على كل حال! أن نعيش الحاضر يعني أن نتزوج وجودنا من جديدنا، هذا الوجود الذي نطلقه كل مرة نعيش على هامش ذواتنا. يجب أن نتدرب على إيقاف الزمن وعلى البقاء في الحاضر، في هذا ’الآن‘، الذي هو حاضري، والذي يشكل نقطة اللقاء بين الأبدية والزمن”[4].

 

 

راجع الأقسام السابقة من هذه السلسلة على هذا الرابط الذي يتضمن سائر مقالات الكاتب

 


[1] C. Pavese, Il mestiere di vivere (Diario 1935-1950), Einaudi, Torino 1952, 67.

[2] T. Nhat Hanh, II miracolo della presenza mentale, Ubaldini, Roma 1992.

[3] Cf. A. de Mello, Awareness. A de Mello Spirituality Conference in His Own Words, Zondervan, Michigan 2002, 5.

[4] A. Bloom, Scuola di preghiera, Qiqajon, Magnano 2009, 82.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير