الثالث من مارس
روما، الاثنين 3 مارس 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي تأمل اليوم الثالث من مارس للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب “بندكتس”.
الإيمان وهدفنا
ليس الإيمان المسيحي تسليةً أو مضيعة للوقت، ولا الكنيسة نادياً في عداد نوادي أخرى، من الطراز نفسه أو من طراز مختلف. بل الإيمان يجيب عن السؤال الأصليّ والأساسي الذي يطرحه الإنسان حول أصله وهدفه. وهو يهتمّ بالمسائل الأساسية التي وصفها الفيلسوف “كانت” بأنها لُبّ الفلسفة وجوهرها وهي: ماذا يمكنني أن أعرف؟ إلامَ يمكنني أن أتوق؟ ما هو الإنسان؟ أي بعبارات أخرى، الإيمان مرتبط بالحقيقة وفقط حين يكون الإنسان قادراً على العيش في الحقيقة يجوز القول أيضاً بأنه مدعوّ إلى الحرية. أوّل حرف من حروف أبجدية الإيمان هو القول: في البدء كانت الكلمة. والإيمان يكشف لنا أن المنطق الأبدي هو في أساس كل شيء، أو بتعبير آخر، أن كل الأشياء التي تنطلق من الأرض صعوداً هي منطقية. فالإيمان لا يهدف إلى أن يقدّم للإنسان نوعاً من أنواع العلاج النفسي؛ بل إن علاجه النفسي هو الحقيقة، وهذا ما يعطيه طابعه الكوني والرسولي من حيث الطبيعة. ولهذا السبب أيضاً إن الإيمان هو بجوهره “سعيٌ إلى الفهم” على ما كان آباء الكنيسة يقولون. وبالتالي، فإن فهم الإرتباط المنطقي بالـ”كلمة” المعطاة مسبقاً هو مبدأ مكوِّن للإيمان المسيحي الذي يولّد من الحاجة اللاهوت. كما أن هذه السمة تميّز الإيمان المسيحي عن باقي الديانات الأخرى، من وجهة نظر تاريخية بحتة حتى. فاللاهوت ظاهرة خاصة بالمسيحية هي نتاج بنية هذا الإيمان.