Flickr - CC BY-SA

البابا: اخدموا الجميع من دون أن تتعبوا من المسيح المتواضع

عظة قداسة البابا فرنسيس
بمناسبة يوبيل الشمامسة

Share this Entry

“عَبْدًا لِلمسيح” (غل 1، 10). لقد سمعنا هذه العبارة، التي يعرّف بها بولس الرسول عن ذاته، في رسالته إلى أهل غلاطية. قدّم ذاته في بداية الرسالة ك “رسول”، بِمَشيئَةِ الرب يسوعَ (غل 1، 1). وتتماشى العبارتان –رسول وعبد- معا على الدوام، لا يمكن فصلهما عن بعضهما أبدًا؛ فهي مثل جانبين لعملة واحدة: فمَن يبشّر بيسوع هو مدعو إلى الخدمة، ومن يخدم يبشّر بيسوع.

لقد كان الرّب أوّل من بيّنه لنا: هو، كلمة الآب، هو، الذي حمل البشارة إلينا (أش 61، 1)، هو، الذي هو البشارة بذاته (را. لو 4، 18)، قد صار خادمًا لنا (فل 2، 7)، “لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ” (مر 10، 45). “صار شماس الجميع” كتب أحد آباء الكنيسة (القديس بوليكارب، في الرسالة إلى أهل فليبي V، 2). والذين يبشّرون به هم مدعوّون هكذا إلى التمثّل به. لا يمكن لتلميذ يسوع أن يسلك دربًا مختلفًا عن درب المعلّم، إنما عليه أن يتمثّل به إن أراد التبشير، كما فعل بولس: يطمح إلى أن يصبح خادمًا. وبعبارة أخرى، إن كانت البشارة هي الرسالة التي سُلِّمَت إلى كلّ مسيحيّ في معموديّته، فالخدمة هي النمط الذي يجب أن يعيش فيه الرسالة، السبيل الوحيد لأن يكون تلميذا ليسوع. هو شاهده الذي يتمثّل به في العمل: الذي يخدم الإخوة والأخوات، دون أن يتعب من المسيح المتواضع، دون أن يتعب من الحياة المسيحية التي هي حياة خدمة.

من أين نبدأ كي نصبح “خدّام صالحين وأَمينين” (را. متى 25، 21)؟ كخطوة أولى، إننا مدعوون إلى عيش الاستعداد. يتعلّم الخادم كلّ يوم كيف يكفّ عن التصرّف بالأشياء كما يروق له، والتصرّف بذاته كما يريد. يتمرّن كلّ يوم على بذل الحياة، على التفكير بأن كلّ يوم لن يكون ملكه، إنما عليه أن يعيشه كتسليم لذاته. فمن يخدم، في الواقع، ليس الحارس الغيور لوقته الذاتي، بل على العكس، يتنازل عن كونه سيّد يومه. يعرف أنه لا يملك الوقت الذي يعيشه، إنما هو هبة ينالها من الله كي يقدّمه بدوره: بهذه الطريقة فقط يثمر حقًّا. من يخدم لا يكون عبدًا للبرنامج الذي حضّره، إنما، بقلب منصاع، هو مستعد لكلّ ما هو خارج عن البرنامج: مستعد للأخ، ومنفتح على غير المنتظر الذي لا ينقص أبدًا، وغالبًا ما يكون مفاجأة الله اليومية. الخادم هو منفتح على المفاجأة، مفاجأة الله اليومية. الخادم يعرف كيف يفتح أبواب وقته ومساحاته لمن هو قريب منه وأيضًا لمن يطرق بابه في غير الأوقات المحدّدة، على حساب مقاطعة شيء يحبّه أو الراحة التي يستحقّها. الخادم يتخطّى الأوقات المحدّدة. ويؤلمني أن أرى أوقات محدّدة في الرعايا: من الساعة … إلى الساعة. ومن ثم؟ ما من باب مفتوح، ما من كاهن، ما من شماس، ما من علماني يستقبل الناس… إنه أمر مؤلم. هكذا، أيها الشمامسة الأعزاء، وأنتم تعيشون الاستعداد، تكون خدمتكم خالية من أيّة مصلحة ذاتية ومثمرة بحسب الإنجيل.

إنجيل اليوم يحدّثنا أيضًا عن الخدمة، مقدّما لنا خادمَين، يمكننا أن نستخلص منهما تعاليم قيّمة: خادم قائد المئة، الذي شفاه يسوع، وقائد المئة بنفسه، في خدمة الإمبراطور. الكلمات التي أرسل يقولها ليسوع، كيلا يأتي إلى بيته، هي مذهلة وغالبًا ما تكون عكس ما نسأله في صلواتنا: “يا ربّ، لا تُزعِجْ نَفسَكَ، فَإِنِّي لَستُ أَهلاً لِأَن تَدخُلَ تَحتَ سَقْفي” (لو 7، 6)؛ “لم أَرَني أَهلاً لِأَن أَجيءَ إِلَيك” (آية 7)؛ “أَنا مَرؤوسٌ” (آية 8). لقد أُعجِب يسوع بهذا الكلام. وتأثر بالتواضع الكبير الذي يتحلّى به قائد المئة، وبوداعته. والوداعة هي فضيلة من فضائل الشمامسة. حين يكون الشماس وديعًا، يكون خادمًا ولا يلهو “مقلّدًا” الكاهن، كلا، هو وديع. كان باستطاعته، إزاء المشكلة التي أصيب بها، أن يتململ وأن يطلب الاستجابة على طلبه، مبيّنا سلطته؛ كان بإمكانه أن يقنع باصرار، حتى أن يجبر يسوع على الذهاب إلى بيته. بدلًا من ذلك، يجعل نفسه صغيرا ورصينا، لا يرفع صوته ولا يريد الازعاج. يتصرف، وربما دون علمه، وفقا لنمط الله، الذي هو “وديع ومتواضع القلب” (متى 11، 29). الله في الواقع، الذي هو محبّة، يدفع بذاته مَحَبَّةً حتى لخدمتنا: إنه صبور معنا، خيّر، مستعد على الدوام وودي، يتألم بسبب أخطائنا ويبحث عن سبيل لمساعدتنا وجعلنا أفضل. هذه هي أيضًا الصفات الوديعة والمتواضعة للخدمة المسيحية، التي هي التمثّل بالله عبر خدمة الآخرين: قبولهم بمحبة صابرة، وتفهّمهم دون تعب، جعلهم يشعرون بأنهم مقبولون، في البيت، في الجماعة الكنسية، حيث الكبير ليس هو من يصدر الأوامر إنما من يخدم (را. لو 22، 26). هكذا، أيها الشمامسة الأعزاء، بالوداعة، سوف تنضج دعوتكم كخدّام المحبّة.

هناك خادم ثالث، بعد بولس الرسول وقائد المئة، في قراءات اليوم، الخادم الذي شفاه يسوع. قيل في الرواية أنه كان عزيزا على سيده وكان مريضًا، ولكن لا نعلم ما كان مرضه الخطير (آية 2). يمكننا، إلى حد ما، أن نرى أنفسنا في هذا الخادم. كل منّا هو عزيز جدًّا على الله، محبوب ومختار من قِبَلِه، ومدعوّ للخدمة، ولكنه بحاجة أولا إلى أن يُشفى داخليًّا. كي نكون صالحين للخدمة، يجب أن يكون القلب معافى: قلب وقد شفاه الله، يشعر بأنه قد غفر له ولا يكون منغلقًا ولا قاسيًا. من الجيّد لنا أن نصلّي من أجل هذا كلّ يوم وبثقة، نسأل أن يشفينا يسوع، أن نصير شبهه، “ألا يدعونا خدما بعد اليوم، بل أحبّاء” (را. يو 15، 15). أيها الشمامسة الأعزاء، يمكنكم أن تطلبوا كل يوم هذه النعمة في الصلاة، في صلاة حيث تقدمون المصاعب والأمور غير المتوقعة، والأتعاب والآمال: صلاة صادقة، تحمل الحياة للرب وتحمل الرب في الحياة. وحين تخدمون على مائدة الإفخارستيا، هناك تجدون حضور يسوع الذي يهب ذاته لكم، كي تهبوا ذواتكم للآخرين.

هكذا، وأنتم مستعدون في الحياة، ودعاء القلب وفي حوار مستمر مع يسوع، لن تخافوا من أن تكونوا خدام المسيح، وأن تلتقوا وأن تداعبوا جسد المسيح من خلال فقراء اليوم.

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2016

(موقع الفاتيكان)

Share this Entry

Staff Reporter

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير