بندكتس السادس عشر والكهنة: عودة إلى "تبشير أولي" بالإنجيل (2)

Share this Entry

اللقاء مع إكليروس روما (الخميس 26 فبراير)

روما، الأربعاء 4 مارس 2009 (ZENIT.org) – في 26 فبراير الماضي كان للبابا بندكتس السادس عشر لقاء تقليدي مع الرعاة والكهنة في أبرشية روما، يجريه سنوياً في بداية زمن الصوم الكبير. في هذا اللقاء طرح الكهنة ثمانية أسئلة على البابا حول مواضيع مختلفة. ننشر في ما يلي خلاصة عن السؤال الثاني والإجابة التي أعطاها عنه بندكتس السادس عشر.

السؤال الثاني

أعرب دون فابيو روسيني، كاهن رعية سانتا فرنشيسكا رومانا آل أرديياتينو عن قلقه حيال “تطور العلمنة وتبعاتها الاجتماعية والحياتية” التي تدفعنا إلى العودة إلى “تبشير أولي” بالإنجيل. ويوضح أن “تجارب التبشير الأولي تتضاعف حالياً محققة نتائج مشجعة للغاية. إلا أن النجاح الرعوي يمكنه على نحو متناقض أن يحجب خطأ ما أو مقاربة سيئة التعريف ربما لا تظهر مباشرة”. فسأل دون روسيني البابا عن “المعايير الأساسية التي يجب اعتمادها في عملية التبشير بالإنجيل المستعجلة وعن … العناصر التي تضمن ألا تذهب سدىً كافة جهود العمل الرعوي في تبشير الجيل الجديد بالإنجيل”.

بندكتس السادس عشر – يسعدني سماع أن هذا التبشير الأولي يتم بشكل فعال، وأن حدود جماعة المؤمنين في الرعية يجري تجاوزها بحثاً عن “الخراف الضالة”: فلنجدّ في الذهاب إلى لقاء إنسان اليوم الذي يعيش من دون المسيح والذي نسي المسيح، فنبشره بالإنجيل. يسعدني أيضاً سماع أنه لم يتم فقط التوصل إلى هذه النتيجة بل أيضاً إلى نتائج مشجعة بالأرقام. من هنا أرى أنكم قادرون على مخاطبة الأشخاص الذين يجب أن يترسخ فيهم الإيمان أو يعاد ترسيخه فيهم.

للقيام بهذه المهمة ليست لدي طريقة واحدة أطلعكم عليها. فالسبل التي يجب اتباعها تختلف مع الأشخاص والمهن والأوضاع. إن التعليم المسيحي يشير إلى جوهر ما يجب التبشير به إلا أنه يتعين على الشخص الذي يعرف الأوضاع أن يتبع الإرشادات في سبيل إيجاد طريقة تفتح القلوب وتدعو إلى السير على طريق الرب والكنيسة.

أنتم تتحدثون عن معايير تمييز لكي لا تذهب جهودكم سدىً. أود أولاً أن أقول بأن الطرفين مهمان. فجماعة المؤمنين ثمينة ويجب عدم التقليل من شأن الواقع الإيجابي والرائع الذي يشكله هؤلاء المؤمنون – من غير إشاحة النظر عن أعداد البعيدين –. لقد قبلوا الرب في الكنيسة ويسعون إلى عيش إيمانهم جادين في السير على خطى الرب. كما ذكرت في إجابتي عن السؤال الأول، لا بد لنا من مساعدة هؤلاء المؤمنين على إدراك وجود الإيمان فيفهموا بأنه ليس من الماضي بل أنه يدلنا اليوم على الدرب ويعلمنا على عيش حياتنا الإنسانية. من المهم جداً أن يجدوا فعلاً في كاهنهم راعياً يحبهم ويساعدهم اليوم على الإصغاء إلى كلمة الله، وعلى الفهم بأنها كلمة موجهة لهم وليس فقط لأبناء الماضي أو المستقبل؛ راعياً يساعدهم أيضاً في الحياة السرية، في تجربة الصلاة، في الإصغاء إلى كلمة الله وفي حياة عدالة ومحبة لكيما يكون المسيحيون خميرة في مجتمعنا المتخبط في العديد من المشاكل والمخاطر والفساد الهائل.

بذلك أعتقد أنهم قادرون على التفكير في دور تبشيري “من دون كلام” لأنهم أشخاص يعيشون حقيقة حياة صحيحة مقدمين مثالاً عن طريقة العيش على الدروب التي يرشدنا إليها الرب. إن مجتمعنا يحتاج حقاً إلى هذه الجماعات القادرة اليوم على عيش العدالة ليس فقط من أجل ذاتها بل أيضاً من أجل الآخرين. إنه يحتاج إلى أشخاص يعرفون كيفية عيش الحياة، كما ورد في القراءة الأولى التي سمعناها اليوم. تقول هذه القراءة في البداية: “اختر الحياة”: وهنا تكون الموافقة سهلة. إلا أن القراءة تضيف لاحقاً: “حياتك هي الله”. بناءً على ذلك فإن اختيار الحياة هو اختيار خيار الحياة أي خيار الله. إن قام أشخاص أو جماعات بهذا الاختيار الكامل للحياة مظهرين أن الحياة التي اختاروها هي الحياة فعلاً، فإنهم يقدمون شهادة قيمة.

بالانتقال إلى ملاحظتي الثانية حول التبشير، نحن بحاجة إلى العنصرين: الكلمة والشهادة. من خلال الرب نعرف أن الكلمة ضرورية. فهي تقول لنا ما قاله هو لنا مظهرة حقيقة الله، وجود الله في المسيح والطريق التي تنفتح أمامنا. إننا نتحدث إذاً كما ذكرتم عن تبشير في الحاضر يُترجم كلمات الماضي في عالم تجربتنا. ومن المهم والأساسي منح مصداقية لهذه الكلمة من خلال الشهادة لكي لا تظهر فقط كفلسفة رائعة أو خيال وإنما كالحقيقة. حقيقة يمكننا العيش معها بل أيضاً حقيقة تسمح لنا بالعيش. من هنا أرى أن شهادة جماعة المؤمنين كأساس الكلمة والتبشير مهمة جداً. إضافة إلى الكلمة، لا بد لنا من فتح مجالات لاختبار الإيمان أمام الذين يبحثون عن الله. هذا ما قامت به الكنيسة الأولية مع روحانية الموعوظين الجدد التي لم تكن تقتصر على مجرد تعليم ديني عقائدي بل كانت تشكل مجالاً لاختبار متقدم لحياة الإيمان التي تنكشف فيها لاحقاً الكلمة التي لا يمكن فهمها إلا إن تُرجمت وتحققت في الحياة.

لذلك أعتبر أنه من المهم أن يكون إلى جانب الكلمة مكان لقبول الإيمان، مكان يجري فيه اختبار متقدم للإيمان. وأرى هنا أنه يتعين على الرعية القيام بمهمة أخرى وهي استقبال من لا يعرفون هذه الحياة المميزة للجماعة الرعوية. يجب ألا نتقوقع على أنفسنا. لدينا عاداتنا الخاصة إلا أنه يجب علينا الانفتاح والسعي وراء خلق “أروقة” أي منتديات لقاء. فالآتي من بعيد لا يستطيع الدخول مباشرة في حياة رعية تأسست مسبقاً ولها عاداتها الخاصة. والقادم الجديد يجد كل شيء مذهلاً للوهلة الأولى
بعيداً عن حياته. إذاً لا بد لنا من العمل بمساعدة الكلمة على خلق ما خلقته الكنيسة الأولية مع روحانية الموعوظين الجدد: أماكن تتوافق فيها بداية عيش واتباع الكلمة وجعلها واضحة وواقعية مع أشكال تجربة حقيقية. في هذا الصدد أرى أن ما ذكرتموه مهم جداً أي ضرورة ربط الكلمة بالشهادة لحياة عادلة، ومساعدة الآخرين، والانفتاح على الفقراء والمحتاجين وإنما أيضاً على الأثرياء المحتاجين إلى رؤية قلوبهم تنفتح على الغير. إذاً هذه المجالات متعددة تختلف بحسب الوضع.

أعتقد أنه لا يمكن التحدث كثيراً على الصعيد النظري إلا أن التجربة الملموسة ستظهر الدرب التي يجب اتباعها. وطبعاً هناك معيار مهم لا بد من مراعاته وهو أن نكون في وحدة الكنيسة الكبيرة حتى في مجال بعيد بعض الشيء، مما يعني أن نكون في وحدة مع الأسقف، ومع البابا، وبالتالي مع عظمة ماضي الكنيسة ومستقبلها. وفي الواقع أن الحضور في الكنيسة الكاثوليكية لا يتضمن فقط التواجد على درب عظيمة وسامية بل يتضمن أيضاً آفاق انفتاح كبير على المستقبل. هذا المستقبل الذي لا ينفتح إلا بهذه الطريقة. بإمكاننا ربما الاستمرار في الحديث عن المضمون إلا أننا سنحظى بفرصة أخرى للقيام بذلك.

نقلته من الفرنسية إلى العربية غرة معيط (ZENIT.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2009

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير