عظة الأب الأقدس خلال القداس الإلهي في كنيسة ساوباولو في لواندا

Share this Entry

نبشر لأننا “مقتنعون وقد قمنا بهذه الخبرة أنه بمعزل عن المسيح تبقى الحياة غير كاملة”

لواندا، السبت 21 مارس 2009 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي عظة الأب الأقدس خلال القداس الإلهي مع الأساقفة والكهنة، والرهبان والراهبات، والحركات الكنسية وملقني التعليم المسيحي في أنغولا وساو تومي في كنيسة ساوباولو في لواندا.

* * *

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

أيها العاملون الأحباء في كرم الرب!

كما سمعنا، يقول أبناء إسرائيل بعضهم لبعض: “هلموا نعرف الرب”. يعزون بعضهم بهذه الكلمات، وهم مغمورون  بالضيقات. ويشرح النبي أن هذه الضيقات أصابتهم لأنهم كانوا يعيشون في جهل الله؛ كان قلبهم مفتقرًا إلى الحب. والطبيب الواحد القادر على شفائهم هو الرب. لا بل هو بالذات، كطبيب صالح، فتح جراحهم لكي يشفى القرح. ويقرر الشعب: “تعالوا نرجع إلى الرب: هو جرحنا وهو سيشفينا” (هو 6، 1).

بهذا الشكل استطاع البؤس البشري أن يلاقي الرحمة الإلهية، التي لا تريد أمرًا آخر إلا أن تحتضن البؤساء.

نجد هذا الأمر في صفحة الإنجيل التي تم إعلانها آنفًا: “صعد رجلان للصلاة في الهيكل”؛ ومن هناك “واحد عاد إلى بيته مبررًا، خلافًا للآخر” (لو 18، 10 . 14). هذا الأخير قام بعرض مآثره أمام الله، جاعلاً الله مدينًا له. لم يكن يشعر بالعمق بالحاجة إلى الله، مع أنه كان يشكره لأنه منحه أن يكون كاملاً بهذا الشكل “لا مثل ذلك العشار”. بالرغم من كل ذلك، فالعشار هو الذي سيعود إلى بيته مبررًا. لإدراكه لخطاياه يبقى محنيّ الرأس، ولكنه بالحقيقة مشدود ومنجذب نحو السماء، ويتوقع كل شيء من الرب: “يا الله، ارحمني أنا الخاطئ” (لو 18، 13). يقرع على باب المراحم الذي سيفتح له وسيبرره، لأنه – بحسب ما يختم يسوع قائلاً – “من رفع نفسه وُضع، ومن واضع نفسه رُفع” (لو 18، 14).

يخبرنا القديس بولس – شفيع مدينة لواندا وشفيع هذه الكنيسة الرائعة التي بنيت منذ نحو 50 عامًا –  عن هذا الإله الغني بالمراحم إنطلاقًا من خبرته الشخصية. لقد أردت أن أسلط الضوء على الألفية الثانية لمولد القديس بولس من خلال سنة اليوبيل البولسية الجارية، لكي نتعلم منه أن نعرف يسوع المسيح بشكل أفضل. هذه هي الشهادة التي تركها لنا: “إنه لقول صدق جدير بالتصديق على الإطلاق، وهو أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخاطئين، وأنا أولهم فإني ما نلت الرحمة إلا ليظهر المسيح يسوع طول أناته في أولا ويجعل مني مثلا للذين سيؤمنون به، في سبيل الحياة الأبدية” (ا تيم 1، 15 – 16). ومع مرور العصور، لم يزل عدد من لمستهم النعمة يزداد. وأنت وأنا من بين هؤلاء. فلنشكر الله لأنه دعانا للدخول في مسيرة الزمان هذه لكي نتقدم نحو المستقبل. باتباعنا لأولئك الذين تبعوا المسيح، نتبع معهم المسيح عينه، وبهذا الشكل نلج النور.

أيها الإخوة والأخوات الأحباء،

أشعر بفرح كبير لتواجدي اليوم في وسطكم، شركاء اليوم في كرم الرب؛ أنتم تعنون بهذا الأمر بعناية يومية عبر قيامكم بتحضير خمر الرحمة وسكبه على جراح شعبكم المتألم. لقد عبر المطران غابرييل مبيلينغي عن آمالكم وأتعابكم في كلمات الترحيب اللطيفة التي وجهها إلي. بنفس شاكرة وملؤها الرجاء أحييكم جميع الحاضرين، رجالاً ونساء مكرسين لقضية يسوع المسيح، وأحيي من تمثلون: الأساقفة، الكهنة، الرهبان والراهبات، الإكليريكيين، ملقني التعليم المسيحي، مسؤولي الحركات والجمعيات المختلفة في كنيسة الله الحبيبة هذه.

أود أن أذكر أيضًا الراهبات التأمليات، الواتي يشكلن حضورًا غير منظور ومع ذلك بالغ الخصب لمسيرة كل منا. واسمحوا لي أخيرًا أن أوجه تحية إلى السالسيين وإلى مؤمني رعية القديس بولس هذه الذين يستقبلوننا في كنيستهم، دون أن يترددوا في منحنا الأماكن التي هي عادةً خاصتهم في الجماعة الليتورجية. لقد عرفت أنهم متواجدين في السهل المتاخم وأتمنى أن أراهم وأن أباركهم في ختام هذه الافخارستيا، ولكن منذ الآن أقول لهم: “شكرًا جزيلاً! فليقم الله في وسطكم وبواسطتكم الكثير من الرسل في إثر شفيعكم”.

كان اللقاء مع يسوع جوهريًا في حياة بولس، بينما كان في طريقه إلى دمشق: يظهر له المسيح مشعًا بنور باهر، يخاطبه ويحوز على قلبه. لقد رأى الرسول المسيح القائن، أي الإنسان الكامل البنية. وبالتالي يعيش نوعًا من تحول الوجهة، ويصل إلى رؤية كل شيء انطلاقًا من ملء قامة الإنسان في يسوع: ما كان يبدو له جوهريًا وأساسيًا أولاً، لم يعد الآن إلا “نفاية”؛ لم يعد “ربحًا” بل خسارة، لأن ما يهمه الآن هي الحياة في المسيح (راجع فيل 3، 7 – 8). لسنا بصدد مجرد نضوج لـ “أنا” بولس، بل بصدد موت عن ذاته وقيامة في المسيح: لقد مات فيه الوجود السابق؛ وها إن وجودًا جديدًا برز فيه مع المسيح القائم.

إخوتي وأصدقائي،

“هلموا نتعرف على الرب” القائم! كما تعلمون، يسوع، الإنسان الحق، هو أيضًا إلها الحق. لقد صار فيه الله مرئيًا لعيوننا، لكي يجعلنا شركاء في حياته الإلهية. بهذا الشكل يظهر معه بعد جديد للكيان، للحياة، تنخرط فيه المادة ومن خلاله يظهر عالم جديد. ولكن كيف تصل بشكل ملموس هذه القفزة النوعية في التاريخ الكوني التي قام بها يسوع مكاننا ولأجلنا إلى كل إنسان، وتتغلغل في حياته وتشده نحو العلاء؟ تصل إلى كل منا من خلال الإيمان والمعمودية. بالواقع، هذا السر هو موت وقيامة، تحول إلى حياة جديدة، لدرجة أن المعمد يستطيع أن يقول مع بولس: “لست أنا من أحيا، بل المسيح حي فيّ” (غلا 2، 20). أنا أحيا، لكن لا أنا. بطريقة ما
يُنتزع مني أناي، وأنخرط في أنا أكبر؛ ما زال لي أنايّ ولكنه قد تحول وانفتح على الآخرين من خلال انخراطي في “الآخر”: في المسيح، أنال محيطي الحياتي الجديد. ما الذي حل بنا إذًا؟ يجب بولس: لقد صرتم واحدًا في المسيح (راجع غلا 3، 28).

ومن خلال “مسحنتنا” بعمل ونعمة روح الله، رويدًا رويدًا تكتمل ولادة جسد المسيح في التاريخ. في هذه اللحظة يسرني أن أذهب بالفكر 500 سنة إلى الوراء، أي إلى عام 1506 وما بعد، عندما تم بناء المملكة المسيحية الأولى الجنوب الصحارية في هذه الأراضي على يد البرتغاليين، وذلك بفضل إيمان وعزم الملك دوم ألفونسو الأول مبيمبا-أ-نزينغا، الذي ملك منذ عام 1506 حتى عام 1543، السنة التي مات فيها؛ بقي الملك كاثوليكيًا بشكل رسمي من القرن السادس عشر حتى القرن الثامن عشر، مع سفير في روما. لاحظوا كيف أن جماعتين عرقيتين مختلفتين – الجماعة البانتية والجماعة اللوسادية – تمكنتا من إيجاد أرضية تفاهم في الدين المسيحي، والتزمتا من ثم لكيما يدوم هذا التفاهم طويلاً، ولكي لا تؤدي الاختلافات – وقد كانت موجودة، وكانت خطيرة – إلى انقسام المملكتين! بالواقع، تجعل المعمودية من المؤمنين واحدًا في المسيح.

أيها الإخوة والأخوات، إنه دوركم اليوم أن تقدموا المسيح القائم لمواطنيكم، أسوة بمرسلي الله الأبطال والقديسين أولئك. يعيش الكثير من مواطنيكم في الخوف من الأرواح، ومن السلاطين الشريرة التي يظنون أنها تهددهم؛ وبسبب ضياعهم، يتوصلون إلى الحكم على الأطفال المشردين وعلى المتقدمين في السن، لأنهم يعتقدون أنهم مشعوذون. من يستطيع أن يبشرهم بأن المسيح قد تغلب على الموت وعلى تلك القوى المظلمة (راجع أف 1، 19 – 23؛ 6، 10 – 12)؟ قد يعترض أحد ما: “لم لا ندعهم وشأنهم؟ فلهم حقيقتهم ولنا حقيقتنا. فلنسع إلى التعايش بسلام، تاركين كل واحد على حاله، لكي يحقق بالشكل الأفضل أصالته”. ولكننا مقتنعون وقد قمنا بهذه الخبرة أنه بمعزل عن المسيح تبقى الحياة غير كاملة، وينقصها واقع – لا بل واقع أساسي -، ويحب أن نقتنع بأننا لا نقوم بعمل ظالم نحو أحد إذا ما قدمنا له المسيح ومنحناه إمكانية أن يجد بهذا الشكل، أصالته الحقة أيضًا، والفرح النابع عن اكتشاف الحياة. لا بل يجب علينا أن نفعل هذا الأمر، إنه واجبنا أن نقدم للجميع إمكانية الوصول إلى الحياة الأبدية.

أيها الإخوة والاخوات الأحباء والأجلاء، فلنقل لهم مثل شعب إسرائيل: “تعالوا نرجع إلى الرب: هو جرحنا وهو سيشفينا”. فليساعدنا بؤسنا البشري على لقاء الرحمة الإلهية. الرب يجعلنا أصدقاءه ويثق بنا، يمنحنا جسده في الافخارستيا ويوكل إلينا كنيسته. ولذا علينا أن نكون أصدقاءه حقًا، وأن تكون مشاعره مشاعرنا، أن نريد ما يريد وألا نريد ما لا يريد. لقد قال يسوع بالذات: “أنتم أصدقائي إذا فعلتم ما أوصيتكم به” (يو 15، 14). فليكن هذا التزامنا المشترك: أن نفعل جميعنا إرادته المقدسة: “إذهبوا في العالم أجمع وأعلنوا الإنجيل للخليقة بأسرها” (مر 16، 15). فلنعانق إرادته، كما فعل القديس بولس: “التبشير بالإنجيل (…) هو واجب بالنسبة لي: ويل لي إن لم أبشر!” (1 كور 9، 16).

* * *

نقله من الإيطالية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2009.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير