الفاتيكان، الخميس 19 أغسطس 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي التعليم الذي تلاه قداسة البابا بندكتس السادس عشر في ساحة القصر الرسولي في كاستل غاندولفو نهار الأربعاء 18 أغسطس 2010.
* * *
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
أود التوقف اليوم للحديث عن سلفي القديس بيوس العاشر، الذي نحتفل نهار السبت المقبل بذكراه الليتورجية، مسلطًا الانتباه على بعض الملامح المفيدة للرعاة والمؤمنين في عصرنا.
ولد جوزيبي سارتو – هذا هو اسمه – في رييزي (ترفيزو-إيطاليا) في عام 1935 من عائلة فلاحين، بعد الدروس في إكليريكية بادوفا سيم كاهنًا بعمر 23 سنة. عين أولاً نائبًا لخوري رعية تومبولو، ومن ثم راعيًا في سالزانو، ثم قانونيًا في كاتدرائية ترفيزو مع مهمة النائب الأسقفي والمرشد الروحي في الإكليريكية الأبرشية. في هذه السنوات الغنية والخبرة الرعوية السخية، بين الحبر الأعظم المستقبلي عن حب عميق للمسيح وللكنيسة، وعن التواضع والبساطة والمحبة العظيمة نحو المحتاجين وهي فضائل ميزته طوال حياته.
في عام 1884 عُيّن أسقفًا في مانتوفا وفي عام 1893 بطريركًا في البندقية. في 4 أغسطس 1903 انتخب إلى السدة البطرسية، فقبل هذه الخدمة بتردد، لأنه لم يكن يعتبر نفسه أهلاً لهذه المهمة السامية.
تركت بابوية القديس بيوس العاشر علامة لا تمحى في تاريخ الكنيسة وقد تميزت بجهد مميز للإصلاح لخصه في شعاره (Instaurare omnia in Christo) “تجديد جميع الأمور في المسيح”. وقد طاولت مداخلاته مختلف الأطر الكنسية. كرس نفسه منذ البدء لإعادة تنظيم الإدارة الرومانية؛ ثم أطلق العمل على صياغة القانون الكنسي، الذي أطلقه خليفته بندكتس الخامس عشر. ثم أطلق مراجعة الدروس الكنسية ومسيرة تنشئة الكهنة المستقبليين، مؤسسًا العديد من الإكليريكيات الإقليمية الغنية بالمكتبات الجيدة والأساتذة الكفوئين. وكان هناك قطاع مهم آخر هو تنشئة شعب الله العقائدية. فمنذ سنوات خدمته الرعوية كان قد صاغ شخصيًا كتاب تعليم كاثوليكي وخلال خدمته الأسقفية في مانتوفا عمل لكي يتم التوصل إلى كتاب تعليم موحد، إن لم يكن جامع، أقله في إيطاليا. كراعٍ أصيل فهم أن حالة زمانه، أقله في ظاهرة الهجرة، كانت تتطلب كتاب تعليم يستطيع كل مؤمن أن يرجع إليه بشكل مستقل عن مواضع وحالات الحياة. كحبر أعظم صاغ نصًا عقائديًا لأبرشية روما، انتشر في ما بعد في كل إيطاليا والعالم. كتاب التعليم هذا الذي يحمل اسم “كتاب تعليم بيوس العاشر” كان هديًا أكيدًا لتعلم حقائق الإيمان لسهولة ووضوح لغته ولعرضه الفعال.
كرس انتباهًا خاصًا للاصلاح الليتورجي، وبشكل خاص للموسيقى المقدسة، لكي يقود المؤمنين إلى حياة صلاة عميقة وإلى مشاركة أكمل في الأسرار.
في الإرادة الرسولية “بين مختلف الاهتمامات” (1903، السنة الأولى من حبريته)، يشرح كيف أن الروح المسيحي الحق ينبع من الاشتراك الفاعل في الأسرار المقدسة وفي الصلاة الكنسية العامة والاحتفالية (ASS 36[1903], 531). لهذا كان يحض على التقرب المتواتر من الأسرار، حاضًا على المناولة الافخارستية اليومية، بعد الاستعداد اللازم، مسبقًا المناولة الأولى للأطفال إلى عمر سبع سنوات، “عندما يبدأ الفتى بالتفكير” (cfr S. Congr. de Sacramentis, Decretum Quam singulari : AAS 2[1910], 582).
أمينًا لمهمته في تثبيت الإخوة في الإيمان، تدخل بيوس العاشر بثبات، في وجه ميول ظهرت في الحقل اللاهوتي في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، دائنًا ‘العصرانية‘، لكي يحمي المؤمنين من مفاهيم مغلوطة ويعزز تعمقًا علميًا للإيمان بتناغم مع التقليد الكنسي.
في 7 مايو 1909، مع الرسالة الرسولية “الكرمة المختارة”، أسس المعهد البيبلي الحبري. هذا وقد اعترى شهور حياته الأخيرة عجيج الحرب. أطلق نداءً في 2 أغسطس 1914 وجهه إلى الكاثوليك في كل العالم معبرًا عن “الكدر الحزين” للساعة الراهنة، كان نداءً متألمًا لأب يرى أبناءه يقومون بعضهم ضد بعض. مات بعد بضعة أيام في 20 أغسطس وبدأت شهرة قداسته تنتشر فورًا عند الشعب المسيحي.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، القديس بيوس العاشر يعلمنا جميعًا أنه في أساس عملنا الرسولي، في مختلف الحقول التي نعمل فيها، يجب أن يكون هناك اتحاد حميمي وشخصي بالمسيح، ويجب أن ننميه يومًا بعد يوم. هذا هو جوهر كل تعليمه والتزامه الرعوي. فقط إذا ما كان مغرمين بالرب سنستطيع أن نحمل البشر إلى الله وأن نفتحهم على حبه الرحيم، وبهذا الشكل نفتح العالم على رحمة الله.
* * *
نقله من الإيطالية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)
حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2010.