كلمة المونسنيور أنطونيو فيليو في الناصرة

Share this Entry

روما، الخميس 24 مارس 2011 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها المونسنيور أنطونيو ماريا فيليو، رئيس المجلس الحبري لراعوية المهاجرين والمتنقلين، خلال القداس الذي احتفل به في رعية عذراء الناصرة، بحضور السفير البابوي المونسنيور جورجو لينغوا وغبطة البطريرك فؤاد طوال، بطريرك القدس للاتين، والمونسيور سليم الصايغ، الأسقف المساعد في عمان.

أيها الإخوة والأخوات في المسيح يسوع،

يسرني أن أكون هنا اليوم للاحتفال بسر الإفخارستيا المقدس، كرئيس للمجلس البابوي للرعاية للمهاجرين واللاجئين. في الواقع، إن قداسة البابا قد أعطاني مهمة رئاسة هذه المجلس كدائرة من دوائر الكرسي الرسولي، والتي تتمثل مهمته في تعزيز الخدمة الرعوية لجميع أولئك الذين، لأسباب مختلفة، أُجبروا على ترك ديارهم، أي: المهاجرين واللاجئين، والبدو الرحالة والحجاج والسياح، وكل الأشخاص الذين يحيون ويعملون على الطريق.

ومن دواعي سعادتي أيضا أن أُحضر لكم جميعا البركة البابوية لصاحب القداسة بيندكتوس السادس عشر.

القراءة الأولى لهذا القداس تخبرنا عن دعوة الله لإبراهيم، الذي كان يشعر بأن عليه تغير العالم الذي كان يعيش فيه حتى تلك اللحظة، بسبب أن ذلك العالم لم يكن يتوافق مع سعيه اليومي للكمال. لهذا غادر إبراهيم أرضه، ذلك المكان المألوفا له، وتخلى عن أمن حياته، غادر لأنه أمن بأن الله أمين في وعده. إن مسيرة رحلة إبراهيم هي التي جعلته فيما بعد أمة جديدة، فأصبح آبا لجميع الذين أُعطي لهم هبة الإيمان.

إن قصة إبراهيم، اليوم، تتحدث لنا عن الوعد والالتزام، والتجربة والتحدي. إنها تتعلق بالواقع الذي يصلح لجميع الأوقات والأزمنة، ومن ثم لكل واحد منا في بحثه عن أرض الموعد، الأرض التي يريد الله أن يعطيها لنا. أرض الميعاد هي المكان الذي يريد الناس فيه أن يحققوا مشيئة الله، المكان الذي يحيوا فيه معا في سلام. المكان الذي يهتم فيه كل واحد بالآخر، حيث لا يوجد أحد في إحتياج لأن تضامن الجميع يُشفي جراح الجميع ويحل مشاكل الجميع. إنه المكان الذي يسعى فيه كل شخص لجعل الآخرين سعداء… ولكن لكي نخلق هذه “الحالة” يجب على الجميع أن يتحمل النتائج، مثل الحاجة إلى مغادرة الأسرة، من أجل السير في طرق جديد، من أجل اتخاذ مسارات جديدة، وأحيانا تغيير الحياة الشخصية، تماما كما فعل إبراهيم.

يسوع أيضا قد اتبع مسيرة إبراهيم؛ فأجاب على دعوة الأب بنعم وبطريقة فريدة من نوعها. مشى طولا وعرضا على طرق الجليل والسامرة واليهودية، بل ووصل أيضا إلى أراضي المدن العشرة وكما، يقول الإنجيل، إلى مناطق صور وصيدا: ذهب في كل الاتجاهات، دون أن يكون له مسكنا خاصا لنفسه، فأظهر للجميع نعمة الآب التي تصالح وتشفى. قبله البعض ورحب به، ورفضه البعض وأساء له، لدرجة أنه أيضا تُرك وحيدا. ولكنه وبرغم من كل ذلك ، بقي في اتصال مع الآب، وفي انسجام تام معه.

كانت مسيرة الرسل في اتباع يسوع هي مسارا تصاعديا. فنجد الأناجيل تخبرنا بأن يسوع وثلاثة من تلاميذه صعدوا إلى قمة الجبل. وعلى جبل تابور – تبين لهم سر يسوع، ابن الله، الذي ظهر لهم في طبيعته الحقيقية. فاستطاع التلاميذ رؤية العلاقة الحميمة التي توحيد الآب والابن. فقد تجلى مجد يسوع عندما كان موسى وإيليا يتكلمان معه. كانا يمثلان الشريعة (موسى) والأنبياء (إيليا) في العهد القديم. فكلاهما التقوا مع الله في السحاب والنار، وفي التجربة وفي صمت الصلاة العميق. كلاهما كانا من “رجال الله”، كلاهما قد مات، ولكن قبرهما ليس بيننا، كما يخبرنا الكتاب المقدس.

إن مسيرة موسى وإيليا كانت هي أيضا مسيرة يسوع. طريق في الصحراء، وعر وضيق، طريق يمر من خلال الموت، طريق سار فيه معتمدا فقط على أمانة الله. في الحقيقة، إن مسكن يسوع النهائي لن يكون بيننا، لأن قبره وجدَّ فارغا، فبأمانته حتى الموت دخل يسوع في الحياة، في مسكن الآب الأبدي.

مسيرة طويلة كانت تنتظر أيضا القديس بطرس وبقية التلاميذ. فقد كان عليهم أن ينزلوا من الجبال ويتحملوا مسؤولياتهم في العالم لكي يشهدوا لمجد الرب، عن طريق تعلم معاني ما قد رأوه، عن طريق تجفيف الدموع، ومساعدة المحتاجين. كانت مهمتهم مهمة صعبة جدا وشاقة. ولكنهم استطاعوا أن يستمروا في هذه المسيرة لأنهم ظلوا أمناء لدعوتهم. وهذا هو التصرف المطلوب منا أيضا: الاستماع إلى صوته، الشهادة لحضوره الخلاصي في المجتمع، الذهاب للأماكن والأشخاص الذين يدعون الربُّ للذهاب لها، بأن نكتشف ونحقق من خلال مسيرتنا كلَّ ما يساهم في بناء ملكوته.

أردت من خلال هذه الرؤية الإيمانية –التي تجعنا نرى حياتنا كمسيرة إيمان وأمل ومحبة – أن أوضح أننا في رحلتنا الأرضية لسنا وحيدين، لأن الله الحياة يصطحبنا. ولهذا فلنصلي لكي يتحول وجوده إلى نور لكل واحد منا حتى نستطيع أن يرى الأشياء التي لها قيمة. ولكي يجد يسوع المسيح مكانا في قلوبنا، فلا ننفصل بعضنا عن بعض. ولتصبح روح يسوع فينا نارا فلا نغفل أو نضيِّع “الهدف من حياتنا”، أي السير نحو”المدينة الثابتة والتي بانيها وصانعها هو الله ذاته” (كما يقول سفر الرؤيا).

وأتمنى أن تبقى هذه الرؤيا حيّة في كل واحد فينا، لكي نستمر في إيماننا “بالوعد”، وفي سيرنا نحو ملكوت محبة الله: الآب والابن والروح القدس.

–        ترجمة الأب د. يوأنس لحظي جيد

موقع كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير