روما، الأربعاء 13 أبريل 2011 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي كلمة الاباتي سمعان أبو عبدو الرئيس العام للرهبانية المارونية المريمية لمناسبة استقبال صاحب الغبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق الكليّ الطوبى في دير مار أنطونيوس الكبير – روما، الاثنين 11 أبريل 2011.
* * *
مجدُ لبنانَ أُعطِيَ لها، لمريمَ أُمَّ يسوعَ، لِكنيسةِ يسوع.
“مجدُ لبنانَ أعطِيَ له”، لراعي كنيسةِ الربِّ المارونيّةِ، “فَسَيَرى كلُّ بشرٍ مجدَ الله وبهاءَ الربِّ إلهِنا” (أشعيا 35/2).
ها كلمة الربّ تُحدِّثنا عن الفرحِ بأُمِّ اللهِ صورةِ الكنيسةِ والساهرةِ عليها، وعنِ البَهجَةِ بكُم يا صاحبَ الغبطة مار بشارة بطرس الراعي الكليّ الطوبى، بطريركِ أنطاكيا وسائر المشرق، حامي “القطيع الصغير”.
أهلاً بِكُم في بيتِكم، في دير مار أنطونيوسَ الكبير أبي الرهبان، هنا في روما. إنَّ السرورَ يَسكنُ في قلوبِ جميعِ أبناءِ الرهبانيّةِ المارونيّةِ المريميّةِ، وخصوصاً في قلوبِ رهبانِ هذا الديرِ إذ تُشَرِّفونَنَا بزِيارةِ بركةٍ ونعمةٍ، (مع أصحابِ النيافةِ والسيادةِ والاباءِ والاصدقاءِ والمرافقين)، تُعبِّرون فيها عن مدى عمقِ “الشركة والمحبّة” بينكُم وبين رهبانيّتِكُم. “فالمجدُ لله” والشكرُ له على عطيّةٍ من عنايتِهِ، إذْ أولاكم مَجدَ لبنان، ووضعَ على كَتِفِكُم صليبَ بطرسَ، لكي تشهدوا للحقّ وتُثَبِّتوا “القطيع الصغير” في الإيمانِ والرجاءِ والمحبّة.
ها نحن هنا في الدير، حيث نشأتُم يا صاحبَ الغبطة، واكتَسبتُم هِبَاتِ الروح، فَمَجَّدتُم الربّ في الصلاةِ والتأمُّلِ، ونَهلتُم من مَعين العِلم وأكملتُم دراساتِكم في جامعةِ اللاتران. ومن هذا الديرِ انطلقتُم في خدمةِ الكنيسة، من خلالِ إدارة القسم العربيِّ في راديو الفاتيكان، وفي خدمةِ الرهبانية، عندما كنتُم مُنَشِّئًا للإخوةِ الدارسينَ في الرهبانية، فزَرَعتُم فيهِم الشَّوقَ إلى الله، وحبَّ الشهادة والرسالة… في هذا الديرِ المبارَكِ عايشتُم رهبانًا أحبّوكم وشَاركوكم في العيشِ الرهبانيِّ الحقّ، فَظَلَّلَتِ الحياةُ الأخويَّةُ طُرُقَ عيشِكم معًا، وأثْمَرَت سلاماً وفرحاً. أذكرُ بعضًا منهم صاروا في دنيا الخلودِ على رجاءِ القيامة: الأباتي لويس البستاني، الأباتي بطرس فهد، الأب لويس صفير والأب سالم شمعون. رحمةُ اللهِ عليهم.
من هذا الصَرحِ، بيتِكِم الرهبانيّ، لَمَعَ نَجمُ رهبانٍ تميّزوا بالتزامِهِم الروحيِّ المُتَفاني، فأَبْدَعوا في العِلم والبحثِ والمعرفةِ، فكانوا منارةً لإخوتِهِم، وسندًا لكنيسَتِنا، وأَمَلاً يدعو إلى مستقبلِ أفضلَ. أخصُّ بالذكرِ منهم الأباتي جبرايل القرداحي العلاّمة، صاحبَ اللُبابِ الشهير، والأب طوبيا العنيسي المؤرّخَ الجريء، ولا يُمْكِنُ أن أنسى مثلَّثَ الرحمات المطران يوحنّا شديد، سليلَ الرهبانيّة، الّذي كان يكنّ لكم أسمى مشاعرِ المحبّةِ والتقديرِ… فليرقدوا بسلامٍ ورجاء، وليَكُن ذِكرُهم مُخلَّدا في قلوبِنا، نَرْفَعُهم في صلواتِنا مع ذبيحة الفادي.
يا راعي “القطيع الصغير”. لن نَخافَ مِنْ بَعْدُ ما دام الربُّ قد أَرسَلَكُم لتَكونوا أَبًا ورئيسا لكرسيِّ أنطاكيا، وفي القلبِ رجاءٌ أنّ سِنِيَّ خدمَتِكم البطريركيةِ ستكونُ مثمِرةً بالروح، “حضورًا فشركة فشهادة”، في لبنانَ والشرقِ الأوسطِ وبلادِ الانتشار.
أَتيتُم روما لتزوروا مصلِّين عندَ قبر مار بطرسَ الرسول، ولكي تَلتَقوا، في روحِ الشركة والمحبّة، قداسةَ الحبرِ الأعظمِ البابا بندكتوس السادسَ عَشَرَ، تُرافِقُكم صلاةُ أبنائِكم الموارنةِ، وخصوصاً صلواتِ إخوتِكم وأبنائِكم في الرهبانيّةِ المارونيّةِ المريميّةِ، طالبينَ من اللهِ أن يحقِّقَ فيكم ما أَلهَمَكُم الروحُ القُدُوسَ: شركة ومحبّة، وبالتالي شهادةً للربِّ يسوع، هَدفِ حياتِنا ورغبةِ قلوبِنا الأعمق.
وعليه، نُعاهِدَكُم يا صاحبَ الغبطة أن نكونَ أَمينين على العهدِ الرهبانيّ المريميِّ كما كنتُم، أي أن نُعْطِيَ الأولويّةَ للعيشِ للهِ، في الطاعةِ والعفّةِ والفقرِ والحياةِ الأخويّةِ الديريّةِ، هادفينَ إلى تمجيدِ اللهِ في العيشِ له، إذ “نَلْتَمِسُ وجْهَه” ولا نَرتاحُ إلاَّ فيه. ومن هذه الروحِ الرهبانيّةِ المريميّةِ، نرغبُ في أن نكونَ، كأبناءٍ لِمريمَ، منفَتِحين على كلِّ ما يُريدُه الربُّ، مُصْغين لِلكلمة، حاضرينَ لكلِّ رسالةٍ وخدمةٍ يدعونا إليها الآبُ في قَلْبِ كنيستِنا الأمّ. مَعَ الأُمِّ الوَضيعةِ مريمَ نقول: فلْيَكُنْ لنا بِحَسَبِ قولِك.
أمانتُنا للعهدِ هي أمانةٌ للحبّ، حبِّ اللهِ وحبِّ الكنيسةِ. وبالتالي، لا نعبِّرُ فقط عن فَخرِنا بكم ودَعمِنا إيّاكم، بل أيضا يَهمُّنا أن تتأكّدوا من مَحَبَّتِنا البنويّةِ لكم، مع الجهوزيّةِ لكي نَخدُمَ كنيستَنا حتّى تَتَجلَّى “مجيدةً، لا عيبَ فيها ولا تجعُّدَ ولا ما أَشبَه بذلك، بل مُقَدَّسةٌ لا عيبَ فيها” (أف 5/27).
يا صاحب الغبطة، تَفرحُ مَريمُ بابنِها مار بشارة، وتحْمِلَكم في صلاتِها في كلّ آنٍ، لكي تَظْهرَ من خِلالِكُم صورةُ ابنها الراعي الصالح. فيا مريمُ الأمُّ الساهرةُ، سيدةُ لبنانَ، إسهري على أبينا مار بشارة بطرس الراعي، وليكنْ روحُ الربِّ دوماً هادِيَه ومُقَدِّسًا إياه مَعَ شَعْبِهِ. ونحن كلُّنا نعظِّمُكِ ونُمَجِّدُ الثالوثَ الأقدسَ الآبَ والابنَ والروحَ القُدُس. آمين.