الفاتيكان، 30 أبريل 2007 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي العدد 29 من الإرشاد الرسولي “سر المحبة” لقداسة الحبر الأعظم البابا بندكتس السادس عشر حول موضوع الافخارستيا مصدر وغاية حياة الكنيسة ورسالتها.
الافخارستيا ورباط الزواج غير المنفصم
29. إذا كانت الافخارستيا تعبّر عن حب الله في المسيح للكنيسة، وهو حب لا عودة فيه إلى الوراء ، يمكننا أن نفهم كيف أنه يقتضي ضمنًا عدم انفصام السر الزوجي إذ لا يمكن لأي حب حقيقي إلاّ أن يتوق إلى عدم الانفصام. وهكذا نستطيع أن نفهم دوافع الانتباه الراعوي الذي يخص به السينودس الحالات المؤلمة التي يعانيها عدد غير قليل من المؤمنين، الذين بعد أن احتفلوا بسر الزواج، قد لجأوا إلى الطلاق أو قاموا بعقد زواج آخر.
نحن بصدد مشكلة راعوية شائكة ومعقدة، وهي عاهة حقيقية في بيئتنا الاجتماعية المعاصرة، وتؤثر بشكل متزايد في المحيط الكاثوليكي ذاته. على الرعاة، حبًا بالحقيقة، أن يميزوا جيدًا مختلف الحالات لكي يساعدوا بشكل روحي مناسب المؤمنين المعنيين.
لقد صادق سينودس الأساقفة وثبّت ممارسة الكنيسة، المرتكزة على الكتاب المقدس (راجع مر 10، 2- 12)، والتي تحظر منح الأسرار للمطلقين الذين يتزوجون ثانية، لأن وضعهم وحالتهم الحياتية تناقض موضوعيًا اتحاد الحب بين المسيح والكنيسة والذي تعبّر عنه الافخارستيا وتحققه.
ولكن يبقى المطلقون الذين تزوجوا ثانية، بالرغم من حالتهم، أعضاء في الكنيسة التي ترافقهم بانتباه خاص، رغبة منها أن يُنْموا قدر الإمكان أسلوب عيش مسيحي من خلال المشاركة في القداس من دون التقرب من المناولة، والإصغاء لكلمة الله، والسجود للقربان المقدس، والصلاة، والمشاركة في الحياة الجماعية، والحوار الواثق مع كاهن أو مع معلم للحياة الروحية، والانكباب على المحبة المعاشة، وأعمال التوبة، والالتزام التربوي تجاه الأبناء.
إذا ما نشأ ارتياب حول صحة وشرعية الزواج الأسراري، يجب القيام بكل ما هو ضروري للتأكد من صحة الريب. ومن ثم ينبغي التأكد، مع الاحترام الوافي للحق القانوني، من وجود محاكم كنسية في المنطقة، ومن نزاهتها وجهوزيتها للعمل.
يجب أن تتمتع كل أبرشية بعدد كافٍ من الأشخاص المؤهلين لأجل القيام بشكل جيد بعمل المحاكم الكنسية. أُذكّر أن “جعل العمل القضائي المؤسساتي في الكنيسة قريبًا من المؤمنين هو واجب بالغ في الجديّة”.
من الضروري تحاشي فهم الاهتمام الراعوي وكأنه متناقض مع الحق القانوني. يجب بالحري الانطلاق من المبدأ القائل بأن نقطة الالتقاء الأساسية بين القانون والاهتمام الراعوي هي حب الحقيقة: فالحقيقة ليست مجرّدةً أبدًا، بل هي “تندمج في المسيرة الإنسانية والمسيحية لكل مؤمن”.
وأخيرًا، في الحالات التي لا يتم الاعتراف فيها ببطلان الرباط الزوجي، والتي يستحيل فيها ترك المساكنة لأسباب موضوعية، تشجع الكنيسة المؤمنين على عيش علاقتهم بحسب متطلبات شريعة الله، كأصدقاء، وكأخ وأخت؛ فيتمكنون بهذا الشكل من التقرب من مائدة الافخارستيا، مع الحرص الذي تفرضه الممارسة الكنسية المختبرة.
ولكي تكون هذه المسيرة ممكنة ومثمرة، من الضروري أن يساندها الرعاة بمبادرات كنسية مناسبة، متحاشين في أي حال منح البركة لهذه العلاقات، لكي لا ينشأ في المؤمنين لغط حول قيمة الزواج.
نظرًا لتعقّد الإطار الثقافي الذي تعيش فيه الكنيسة في كثير من الدول، أوصى السينودس بتكريس الكثير من الانتباه الراعوي في تحضير الذين يستعدون للزواج، وفي التأكد المسبق من اقتناعهم بالمسؤوليات الضرورية التي تجعل سر الزواج شرعيًا.
فالتمييز الجاد في هذا الإطار يحول دون إقدام الشابين، لنزوات عاطفية أو لأسباب سطحية، إلى الالتزام بمسؤوليات لا يستطيعان الالتزام بها.
تعلق الكنيسة والمجتمع بأسره الكثير من الآمال على الزواج والعائلة ، ولذا لا بد من الالتزام بعمق في هذا المجال الراعوي الخاص.
فمؤسستا الزواج والعائلة تتطلبان التشجيع والحماية من كل سوء فهم حول حقيقتهما، لأن أي إساءة ترتكب بحقهما هي في العمق إساءة إلى التعايش البشري بحد ذاته.